سلسلة النقد والتحقيق الحق المبين المجلد 1

اشارة

نام كتاب: سلسلة النقد والتحقيق

نويسنده: حسيني ميلاني، علي

موضوع: عقائد

زبان: عربي

تعداد جلد: 3

ناشر: الحقائق

مكان چاپ: قم

كلمة المركز … ص: 5

الحمد للَّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام علي محمّد وآله الطاهرين.

وبعد، فقد قرّر المركز تشكيل لجنةٍ تقوم- بإشراف وتوجيه من سيّدنا الفقيه المحقّق آية اللَّه السيد علي الميلاني- دام ظلّه- بنقد بعض البحوث المنتشرة من المعاصرين وتحقيق بعض الكتب التراثيّة الصغيرة في الحجم والكبيرة في الفائدة، في مختلف العلوم والمسائل الاسلاميّة، وإخراجها في سلسلة تحت عنوان (سلسلة النقد والتحقيق) خدمةً للعلم والدين، وإحقاقاً للحق المبين، وإحياءً لآثار العلماء المحقّقين وتوفيراً للمصادر النافعة للباحثين، سائلين المولي الكريم المفضال أن يتقبّل منّا هذا العمل وسائر الأعمال.

مركز الحقائق الإسلامية

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 7

كلمة لجنة النقد والتحقيق … ص: 7

اشارة

الحمد للَّه ربّ العالمين والصلاة والسلام علي خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

وبعد، فإنّ وصاية أمير المؤمنين عليه السلام لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ممّا وردت فيه الأحاديث المتكثّرة في كتب الفرق الإسلاميّة، وشهدت به الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين، والأشعار المرويّة عنهم وعن سائرالعلماء والشعراء إلي يومنا هذا.

وقد عُنِيَ جماعة من علماء المسلمين بجمع الأدلّة والشواهد علي ذلك وتأليف كتب مفردةٍ فيه.

ولعلّ من خيرة الكتب في الباب هو كتاب (العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين) تأليف الحافظ القاضي محمد بن علي الشّوكاني الصنعاني المتوفّي سنة 1250، فقد أورد عدّة من الأحاديث في

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 8

الموضوع عن جمعٍ من صحابة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وانتقد ما روي عن بعضهم من إنكار الوصاية بالنقد العلمي الرصين.

سبب تأليف الكتاب … ص: 8

لقد ذكر الحافظ الشوكاني في مقدّمة الكتاب السّبب في تأليفه له فقال: «سألني بعض آل الرسول صلّي اللَّه عليه وآله الجامعين بين فضيلتي العلم والشرف من سكّان المدينة المعمورة بالعلوم، مدينة زبيد، عن إنكار عائشة ام المؤمنين زوجة النبي صلّي اللَّه عليه وآله لصدور الوصيّة من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، لمّآ ذكروا عندها أنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كان وصيّاً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله. وهذا ثابت من قولها في الصحيحين والنسائي من طريق الأسود ابن يزيد بلفظ: «متي أوصي إليه؟..»

ثم قدَّم قبل الورود في البحث مطالب مفيدة جدّاً، وأشار إلي قواعد علميّة نافعة للباحثين، وتعرّض لبعض حالات عائشة زوجة النبي (صلّي اللَّه عليه وآله) وما نقل عنها في المسائل المختلفة.

ثم جعل الكتاب في مبحثين:

الأول: في إثبات مطلق الوصيّة منه صلّي اللَّه عليه وآله.

والثاني: في إثبات مقيّدها، أي كونها إلي

علي عليه السّلام.

فأورد في المبحث الثاني طائفةً من الأحاديث عن أشهر كتب أهل

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 9

السنّة في الحديث، رواها الأئمة الأعلام بأسانيدهم إلي الصحابة عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، فيها الدلالة الواضحة علي وصيّته لأمير المؤمنين عليه السلام.

ولايخفي أنه لم يكن بصدد الاستقصاء لجميع الأحاديث الواردة في الباب، وإلّا فإنها أكثر وأكثر، بل لقد أشتهر بين الصّحابة والتابعين فمن بعدهم «الوصيّ» لقباً لعليٍ عليه السّلام، ويشهد بذلك نفس الأحاديث في الصحيحين في إنكار عائشة الوصيّة إليه … هذا، مضافاً الي الأشعار المرويّة في الكتب المعتمدة عن الصحابة وغيرهم المشتملة علي هذااللقب للإمام عليه السلام، وحتي اللغويون يذكرون ذلك في كتبهم اللغويّة في مادة «وصي».

طبعات الكتاب … ص: 9

وقد طُبِعَ هذا الكتاب لأوّل مرة في صنعاء اليمن عام 1411 من النسخة المخطوطة الموجودة في الجامع الكبير، نشر دار التراث.

ثم طبع مرّةً اخري، سنة 1413 هجريّة، حقّقه وخرّج أحاديثه، أبو هارون عيسي بن يحيي بن معافي شريف، نشر مكتبة الصحابة في جدّة ومكتبة التابعين بالقاهرة.

وطبع ثالثةً، سنة 1419 هجرية، بتحقيق عدنان السيد علي الحسيني، نشر مركز الغدير للدراسات الإسلامية. قم- إيران.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 10

وطبع رابعةً، سنة 1425 هجرية، بتحقيق فاضل الفراتي، نشر مكتبة هيئة الأمين بالكويت.

محاولات لتضعيف الكتاب … ص: 10

هذا، وقد حاول بعض الناس الطعن في هذا الكتاب بشتّي الوجوه، فكان أوّلها إنكار أن يكون من تأليف الحافظ القاضي الشوكاني.

لكنّ الكتاب مطبوع في اليمن عن نسخةٍ موجودة في الجامع الكبير، وقد نسب إلي مولّفه في كتاب (هديّة العارفين في أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين) وفي (ذيل كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون) ونسبه إليه بكلّ صراحةٍ ووضوح: مؤرّخ اليمن محمد بن محمد بن يحيي بن زبارة الحسيني الصنعاني المتوفّي سنة 1381 صاحب كتاب (نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر).

ثم قالوا: إنّ الشوكاني قد ألّف هذا الكتاب في أوّل أمره، فلمّا عرف السنّة ووضّحها علي منهج السّلف عدل عمّا ذكر فيه وانتهي إليه.

لكنّ القاضي الشوكاني قد ألّف هذا الكتاب- كما عن نسخته الأصليّة- بسنة 1205، أي ألّفه وعمره 32 سنة.

فهناك انبروا للطّعن في أسانيد الأحاديث التي استدلّ بها في المبحث الثاني، استناداً- في الأغلب- إلي آراء أبي الفرج ابن الجوزي في

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 11

(كتاب الموضوعات) ومَنْ حذا حذوه.

كلّ ذلك- كما صرّحوا- لئلّا يغترّ الشيعة الاثنا عشرية بهذا الكتاب ولئلّا يتّخذوه ذريعةً للطّعن في عائشة ومَنْ أنكر الوصاية لأمير المؤمنين.

لكنّ تلك المحاولات

لا تجدي أصحابها نفعاً، لأنّ أهل العلم يستمعون الأقوال وينظرون إليها نظرةَ الباحث المحقّق، فما وجدوه حقّاً أخذوا به، غير مبالين بمثل تلك المحاولات، لا سيّما وصاحب الكتاب من كبار العلماء في الحديث والفقه وسائر العلوم.

ترجمة المؤلِّف … ص: 11

وهو الحافظ الفقيه المحدّث محمد بن علي بن محمد بن عبداللَّه الشوكاني ثم الصنعاني.

ولد بقرية شوكان من خولان العالية، في ذي القعدة الحرام سنة 1173، وكان فقيهاً مجتهداً، من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء، وكان يري حرمة التقليد، له 114 مؤلّفاً في مختلف العلوم، من أشهرها:

* نيل الأوطار (في الفقه).

* فتح القدير (تفسير للقرآن الكريم).

* الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.

* إرشاد الفحول (في علم الاصول).

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 12

* إتحاف الأكابر بأسناد الدفاتر. وهو ثبت مرويّاته عن شيوخه.

* البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السّابع (تراجم العلماء).

* درّ السحابة في فضائل القرابة والصحابة.

وتولّي القضاء بمدينة صنعاء.

وتوفّي بها في جمادي الآخرة، سنة 1250.

وتوجد ترجمته مفصّلة بقلمه في البدر الطالع 2/ 214- 225.

عملنا في الكتاب … ص: 12

وقد رأينا من الواجب علينا نشر هذا الكتاب في طبعةٍ محقّقةٍ، ذكرنا فيها مصادر الأحاديث، وعملنا علي تصحيح أسانيدها علي ضوء كتب أهل السنّة المعتمدة، وبالاستناد إلي كلمات كبار علمائهم في الجرح والتعديل، خدمةً للدّين الحنيف، والباحثين المحقّقين بإنصاف، وقد ألحقنا ذلك بمتن الكتاب حسب تسلسل الأحاديث المذكورة في المبحث الثاني منه.

وقد سمّينا هذا العمل ب (الحق المبين في تخريج أحاديث العقد الثمين).

هذا، ومن الواجب علينا أنْ نذكّر بأنا قد استفدنا كثيراً في تحقيق الكتاب وتخريج أحاديثه من مؤلَّفات سيدنا الاستاذ الفقيه المحقق آية اللَّه الميلاني وإرشاداته وتوجيهاته.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 13

واللَّه نسأل أن يحشرنا في زمرةالعاملين بالسنّة النبويّة الثابتة ويتقبّل أعمالنا بقبول حسن، إنّه رؤوف رحيم.

لجنة التحقيق

بمركز الحقائق الاسلامية

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 15

العقد الثمين في اثبات وصاية أميراالمومنين … ص: 15

مقدمة المؤلّف … ص: 15

أحمدك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت علي نفسك، وأُصلّي وأُسلّم علي رسولك وآله الأكرمين.

وبعد:

فإنه سألني بعض آل الرسول صلّي اللَّه عليه وآله الجامعين بين فضيلة العلم والشرف من سكان المدينة المعمورة بالعلوم، مدينة زبيد «1» عن إنكار عائشة أم المؤمنين زوجة النبي صلّي اللَّه عليه وآله لصدور الوصيّة من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله لما ذكروا عندها أنّ أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان وصياً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) زبيد بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة التحتانية بعدها ياء مثناة تحتانية ثم دال مهملة: مدينة مشهورة علي طريق الحديدة وتعز باليمن، تبعد عن الحديدة جنوباً بقدر مائة كيلو متراً أو أكثر بقليل، وهي كانت مشهورة من قبل بمدينة العلم والعلماء.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 16

وآله وهذا ثابت من قولها في الصحيحين، والنسائي من طريق الأسود بن يزيد بلفظ: متي أوصي إليه؟ وقد كنت مسندته إلي صدري

فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنّه مات، فمتي أوصي إليه؟. وفي روايةٍ عنها أنّها أنكرت الوصية مطلقاً ولم تقيد بكونها إلي علي عليه السلام فقالت: ومتي أوصي، وقد مات بين سحري ونحري «1» ولنقدم قبل الشروع في الجواب مقدمة ينتفعُ بها السائل.

فنقول: ينبغي أنْ يعلم أولًا: إنّ قول الصحابي ليس بحجة، وأن المثبت أولي من النافي «2»، وأنّ مَنْ علم حجة علي مَنْ لم يعلم، وأنّ الموقوف لا يعارض المرفوع علي فرض حجيته.

وهذه الأمور قد قررت في الأصول. ونيطت بأدلة تقصر عن نقضها أيدي الفحول. وان تبالغت في الطول.

ويعلم ثانياً: أنّ أمَّ المومنين كانت تسارع إلي ردّ ما خالف اجتهادها، وتبالغ في الإنكار علي راويه، كما يقع مثل ذلك لكثير من المجتهدين.

__________________________________________________

(1) الحديث أخرجه البخاري (فتح الباري 5/ 356) وأخرجه أيضاً البخاري (فتح الباري 8/ 148)، ومسلم 3/ 1257، والترمذي في الشمائل، والنسائي 1/ 32 و 6/ 241 وأحمد 1/ 399، 270 و 274.

(2) أي مقدم عليه.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 17

وتتمسك تارة بعموم لا يعارض ذلك المروي، كتغليطها لعمر لما روي مخاطبته صلّي اللَّه عليه وآله لأهل قليب بدر، وقوله عند ذلك: يا رسول اللَّه، إنما تخاطب أمواتاً، فقال له: «ما أنتم بأسمع منهم» فردّت هذه الرواية عائشة بعد موت عمر، وتمسكت بقوله تعالي: «وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» «1»

. وهذا التمسك غير صالح لرد هذه الرواية من مثل هذا الصحابي، وغاية ما فيه بعد تسليم صدقه علي أهل القليب أنه عام وحديث إسماعهم خاص، والخاص مقدم علي العام، وتخصيص عمومات القرآن بما صح من آحاد السنة هو مذهب الجمهور «2».

وتارة تتمسك بما تحفظه، كقولها لما بلغها رواية عمر عن

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بلفظ: «إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله» فقالت:

يرحم اللَّه عمر، ما حدّث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أنّ الميت ليعذب ببكاء أهله ولكن قال: «إنّ اللَّه ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه». ثم قالت: حسبكم القرآن: «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري » أخرجه الشيخان والنسائي. وفي روايةٍ أنه ذكر لها أنّ ابن عمر يقول: إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فقالت: يغفر اللَّه لأبي عبدالرحمن، أما إنه لم

__________________________________________________

(1) سورة فاطر: الآية 22 «وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» وما نافية والباء صلة.

(2) قصة أصحاب القليب وقوله صلّي اللَّه عليه وآله: «وما أنت بأسمع منهم» في صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 301).

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 18

يكذب ولكنه نسي أو خطأ، إنما مرَّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله علي يهودية يُبكي عليها. فقال: «إنها ليبكي عليها وإنها لتعذب في قبرها».

أخرجها الشيخان ومالك والترمذي والنسائي «1»، وقد ثبت هذا الصحيح في صحيح البخاري وغيره من طريق المغيرة بلفظ: «مَنْ ينح عليه يعذب بما نيح عليه» «2».

فهذا الحديث قد ثبت عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله من طريق ثلاثة من الصحابة، ثم إنّ عائشة ردّتْ ذلك متمسكة بما تحفظه وبعموم القرآن.

وأنت تعلم أنّ الزيادة مقبولة بالإجماع إنْ وقعت غير منافية، والزيادة هنا في رواية عمر وابنه والمغيرة؛ لأنها متناولة بعمومها للميت من المسلمين، ولم تجعل عائشة روايتها مخصصة للعموم، أو مقيدة

__________________________________________________

(1) الحديث أخرجه البخاري (فتح الباري 3/ 151- 152) في قصة طويلة وفيها إنكارعائشة علي عمر بعد أن مات أو تغليظها له بقولها: رحم اللَّه عمر، واللَّه ما حدث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله «إن اللَّه ليعذب المؤمن ببكاء أهله

عليه.

(2) الحديث أخرجه البخاري (فتح الباري 3/ 160) فقال: باب ما يكره من النياحة علي الميت، وقال عمر دعهن يبكين علي أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة- والنقع- التراب علي الرأس- واللقلقة الصوت. وساقه بسنده إلي المغيرة قال: سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وآله يقول: «إن كذباً عليّ ليس ككذب علي أحد، من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 19

للإطلاق حتي يكون قولها مقبولًا من وجه، بل صرحت بخطأ الراوي أو نسيانه، وجزمت بأن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله لم يقل ذلك. وأما تمسكها بقول اللَّه تعالي: «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري » فهو لا يعارض الحديث؛ لأنه عام والحديث خاص.

ولهذه الواقعات نظائر بينها وبين جماعة من الصحابة كأبي سعيد، وابن عباس وغيرهما ومن جملتها الواقعة المسؤول عنها أعني إنكارها الوصية منه صلّي اللَّه عليه وآله إلي علي عليه السلام وقد وافقها في عدم وقوع مطلقها منه صلّي اللَّه عليه وآله غير مقيّد بكونها إلي علي عليه السلام ابن أبي أوفي، فأخرج عنه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، من طريق طلحة بن مصرف قال: سألت ابن أبي أوفي هل أوصي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله؟ قال: لا، قلت: فكيف كُتِبَ علي الناس الوصية وأمر بها، ولم يوصِ. قال: أوصي بكتاب اللَّه تعالي «1».

وأنت تعلم أنّ قوله: أوصي بكتاب اللَّه تعالي لا يتم معه قوله: لا في أول الحديث؛ لأنّ صدق اسم الوصية لا يعتبر فيه أن يكون بأمور متعددة حتي يمتنع صدقه علي الأمر الواحد لا لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً؛ للقطع بأنّ مَنْ أوصي بأمر واحد يقال له: موصي لغةً وشرعاً وعرفاً، فلابدّ من

__________________________________________________

(1) الحديث أخرجه البخاري

(فتح الباري 5/ 356، 8/ 148، 9/ 67)، ومسلم 3/ 1256.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 20

تأويل قوله: لا، وإلّا لم يصح قوله: أوصي بكتاب اللَّه تعالي، وقد تأوّله بعضهم بأنّه أراد أنه لم يوص بالثلث كما فعله غيره، وهو تأويل حسن، لسلامة كلامه معه من التناقض «1».

إذا عرفت هذه المقدمة. فالجواب علي أصل السؤال ينحصر في بحثين:

البحث الأول: في إثبات مطلق الوصية منه صلّي اللَّه عليه وآله.

والبحث الثاني: في إثبات مقيّدها، أعني كونها إلي علي عليه السلام.

__________________________________________________

(1) أنظر: فتح الباري: 5/ 360.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 23

المبحث الأول: في إثبات مطلق الوصية منه صلّي اللَّه عليه وآله … ص: 23

المبحث الأول: في إثبات مطلق الوصية منه صلّي اللَّه عليه وآله

أما البحث الأول:

فأخرج مسلم من حديث ابن عباس أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أوصي بثلاث: أن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزهم. الحديث (1).

وفي حديث أنس عند النسائي وأحمد، وابن سعد واللفظ له:

كانت غاية وصية رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله حين حضره الموت:

«الصلاة وما ملكت أيمانكم» «1». وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجة زاد: «أدّوا الزكاة بعد الصلاة».

__________________________________________________

(1)

الحديث أخرجه أحمد 3/ 117، والنسائي في الكبري 4/ 258 في كتاب الوفاة، وابن ماجة 2/ 900- 901. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده حسن. أ. ه. وأخرجه أيضاً ابن سعد 2/ 253، وابن حبان 8/ 205، والحاكم 3/ 57، والخطيب البغدادي 4/ 239- 240 في كتابه تاريخ بغداد كل هؤلاء من طريق سليمان التيمي.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 24

وأخرجه أحمد «1» وأخرج سيف بن عمر في الفتوح من طريق ابن أبي مليكة، عن عائشة أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله حذّر من الفتن في مرض موته، وأمر بلزوم الجماعة والطاعة.

وأخرج الواقدي من

مرسل العلاء بن عبدالرحمن أنه صلّي اللَّه عليه وآله أوصي فاطمة: «قولي إذا متّ إنا للَّه وإنا إليه راجعون».

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عبدالرحمن بن عوف قالوا: يا رسول اللَّه أوصنا- يعني في مرض موته- قال: «أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وأبنائهم من بعدهم» «2». وقال:

لا يروي عن عبدالرحمن إلّابهذا الإسناد، تفرّد به عتيق بن يعقوب وفيه

__________________________________________________

(1) حديث علي عليه السلام لفظه: «كان آخر كلام النبي صلّي اللَّه عليه وآله: «الصلاة وماملكت أيمانكم» الذي اعتبره المصنف شاهداً.

(2) الحديث أخرجه البزار 3/ 292. فقال: ثنا بشر ابن خالد العسكري ثنا جعفر بن عون عن حميد بن القاسم بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عن عبدالرحمن بن عوف قال: لما حضر النبي صلّي اللَّه عليه وآله الوفاة. قالوا: يا رسول اللَّه أوصنا. قال: «أوصيكم بالسابقين الأولين وبأبناءهم من بعدهم، وبأبناءهم من بعدهم، وبأبناءهم من بعدهم إلا تفعلوا لا يقبل منكم صرف ولا عدل» قال البزار: لم يروه إلا عبدالرحمن بن عوف ولا له إلا هذا الإسناد، ولم نسمعه إلا من بشر. قلت: وفيه من لا يعرف حاله كما قال المصنف نقلًا عن الحافظ في الفتح 5/ 363. والحديث أيضاً في معجم المعجمين رقم 3966، والهيثمي في المجمع 10/ 17 قال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجالهما ثقات.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 25

مَن لا يعرف حاله.

وفي سنن ابن ماجة من حديث علي قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «إذا أنا متُّ فاغسلوني بسبع قرب من بئر أريس» «1». وكانت بقباء.

وفي مسند البزار، ومستدرك الحاكم بسند ضعيف أنه صلّي اللَّه عليه وآله أوصي أن يصلي عليه أرسالًا بغير إمام.

وأخرج أحمد، وابن سعد أنّ

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله سأل عائشة عن الذهيبة في مرض موته فقال: «ما فعلت الذهيبة؟» قالت: هي عندي. قال: «أنفقيها».

وأخرج ابن سعد من وجه آخر أنه قال: «ابعثي بها إلي علي ليتصدق بها» «2».

وفي المغازي لابن إسحاق قال: لم يوص رسول اللَّه صلّي اللَّه

__________________________________________________

(1) الحديث: «إذا أنا مت فاغسلوني … الخ»؛ أخرجه ابن ماجة 1/ 471.

(2) الحديث أخرجه أحمد 6/ 49، 182 وابن سعد 2/ 238 وفي موارد الظمآن حديث 2142 وزيادة: «ابعثي بها إلي علي ليتصدق بها» أخرجها ابن سعد 2/ 239. والحديث صحيح بمجموع طرقه، وأما الزيادة فهذا سندها. قال ابن سعد 2/ 239 أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا يعقوب بن عبدالرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد …

فذكره وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح، وكلهم ثقات. أنظر: مجمع الزوائد 3/ 124، والترغيب والترهيب للمنذري رقم 1357.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 26

عليه وآله عند موته إلّابثلاث: لكلّ من الداريين والرَّهاويين والأشعريين بخادم ومائة وسق من خيبر وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان وأن ينفذ بعث أسامة «1».

وقد سبق في حديث ابن أبي أوفي أنه صلّي اللَّه عليه وآله أوصي بالقرآن.

وثبت في الأمهات وغيرها أنه صلّي اللَّه عليه وآله قال: «استوصوا بالأنصار خيراً، استوصوا بالنساء خيراً، أخرجوا اليهود من جزيرة العرب».

ونحو هذه الأمور التي كلّ واحد منها لو انفرد لم يصح أنْ يقال أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله لم يوصِ.

وثبت في الصحيح من حديث أبي موسي أوصاني خليلي بثلاث «2».

ولعل مَنْ أنكر ذلك أراد أنه صلّي اللَّه عليه وآله لم يوص علي الوجه الذي يقع من غيره من تحرير أمور في مكتوب، كما أرشد إلي

__________________________________________________

(1) الحديث قال ابن

إسحاق في المغازي 3/ 489، ثنا صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيداللَّه بن عبداللَّه ابن عتبة.

(2) أخرجه البخاري (فتح الباري 3/ 56، 4/ 226)، ومسلم 1/ 499 عن أبي هريرة، ومسلم 1/ 499 عن أبي الدرداء.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 27

ذلك بقوله: «ما حق أمري ء مسلم له شي ء يريد أنْ يُوصي فيه يبيت ليلتين إلّا ووصيته مكتوبة عنده». أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر «1»، ولم يلتفت إلي أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قد نجز أموره قبل دنو الموت، وكيف يظن برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أن يترك الحالة الفضلي؟. أعني تقديم التنجيز قبل هجوم الموت وبلوغها الحلقوم، وقد أرشد إلي ذلك، وكرّر وحذّر وهو أجدر الناس بالأخذ بما ندب إليه. وبرهان ذلك أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قد كان سبّلَّ أرضه. ذكره النووي، وأما السّلاح والبغلة والأثاث وسائر المنقولات، فقد أخبر أنّها صدقة كما ثبت عنه في الصحيح. وقال في الذهيبة التي لم يترك سواها ما قال كما سلف.

إذا عرفت هذا، علمت أنّه لم يبقَ من أمور رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله عند موته يكون عصمة لها عن الضلالة وجنة تدرأ عنها ما تسبب من المصائب الناشبة عن اختلاف الأقوال فلم يجب إلي ذلك وحيل بينه وبين ما هنالك، ولهذا قال الحبر ابن عباس: الرزية كلّ الرزية،

__________________________________________________

(1) الحديث أخرجه البخاري (فتح الباري 5/ 355)، عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قال: «ما حق امري ء مسلم له شي ء يوصي فيه يبيت ليلتين إلّاووصيته مكتوبة عنده» تابعه محمد بن مسلم عن عمرو عن ابن عمر عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله وأخرجه مسلم 3/ 1249،

1250.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 28

ما حال بين رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وبين كتابه. كما ثبت ذلك عنه في الصحيح البخاري وغيره «1».

فإن قلتَ: لا شك أنّ في هذه الأدلة التي سقتها كفاية وأنّ المطلوب يثبت بدون هذا، وإن عدم علم عائشة بالوصية لا يستلزم عدمها، ونفيها لا ينافي الوقوع، وغاية ما في كلامها الإخبار بعدم علمها، وقد علم غيرها، ومَنْ علم حجة علي مَنْ لم يعلم، أو نفي الوصية حال الموت لا يلزم من نفيها في الوقت الخاص نفيها في كل وقت، إلّاأنّ ثمة إشكالًا وهو ما ثبت أنه صلّي اللَّه عليه وآله مات وعليه دين ليهودي آصع من شعير «2»، فكيف ولم يوصِ به كما أوصي بسائر تركته.

__________________________________________________

(1) الحديث أخرجه البخاري 1/ 208، 2/ 270، 8/ 132، 10/ 126، 13/ 336، فتح، ومسلم 3/ 1259، وأحمد 1/ 324- 325، 336، عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلّي اللَّه عليه وآله وجعه قال: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده» قال عمر: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله غلبه الوجع وعندنا كتاب اللَّه حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط. قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع» فخرج ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وبين كتابه.

(2) حديث: «رهن الدرع … » جاء عن عائشة وابن عباس وأنس وأسماء بنت يزيد، أما عن عائشة فأخرجه البخاري 4/ 302، 5/ 142، 6/ 99، 8/ 151، فتح، وأحمد 6/ 237، والنسائي 7/ 288، 303، وابن ماجة 2/ 815، وعن أنس أخرجه البخاري أيضاً 4/ 302، 5/ 140، فتح، والترمذي 3/ 519- 520، والنسائي 7/ 288، وابن

ماجة 2/ 815.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 29

قلت: قد كان صلّي اللَّه عليه وآله رهن عند اليهودي في تلك الآصع درعه، والرهن حجة لليهودي كافية في ثبوت الدين، وقبول قوله لا يحتاج معه إلي الوصية. كما قال تعالي في آية الدين: «وَلَمْ تَجِدُوا كاتِبًا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» «1»

، علي أنّ علم ذلك لم يكن مختصاً به بل قد شاركه فيه بعض الصحابة، ولهذا أخبرت به عائشة، وليس المطلوب من الوصية للشارع إلّاالتعريف بما علي الميت من حقوق اللَّه، وحقوق الآدميين وقد حصل ههنا.

__________________________________________________

(1) سورة البقرة: الآية 283.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 33

المبحث الثاني: في إثبات الوصية لعلي عليه السلام … ص: 33

اشارة

المبحث الثاني: في إثبات الوصية لعلي رضي اللَّه عنه

وأما البحث الثاني:

[الحديث الأوّل ] … ص: 33

فأخرج أحمد بن حنبل عن أنس أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله قال:

«وصيي ووارثي ومنجز موعدي علي بن أبي طالب».

[الحديث الثاني ] … ص: 33

وأخرج أحمد من حديثه قال: قلنا لسلمان سل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله مَنْ وصيه؟ قال سلمان: يا رسول اللَّه مَنْ وصيك؟ قال: «يا سلمان مَنْ كان وصي موسي؟» قال: يوشع بن نون. قال: «فإنّ وصيي ووارثي ويقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب» «1».

__________________________________________________

(1) فضائل الصحابة، لأحمد بن حنبل 2/ 615، برقم 1052، ط جامعة أم القري، المملكة العربية السعودية، لسنة 1983 م. وسيأتي الكلام مفصلًا حول أسانيد الحديث ورواته ودفع الشبهات عنه في تخريج أحاديث كتاب العقد الثمين تحت الحديث الأوّل والثاني.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 34

[الحديث الثالث ] … ص: 34

وأخرج الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة عن بريدة قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «لكلّ نبيٍّ وصي ووارث، وإنّ علياً وصيي ووارثي» «1».

[الحديث الرابع ] … ص: 34

وأخرج ابن جرير عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «يا بني عبدالمطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم» قال: فأحجم القوم عنها جميعاً.

وقلت: أنا يا نبي اللَّه أكون وزيرك. فأخذ برقبتي ثم قال: «هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا» «2».

__________________________________________________

(1) معجم الصحابة، للبغوي 4/ 363 وعنه في الرياض النضرة 3/ 138 أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 42/ 391- 392 وابن الجوزي عن طريق البغوي في الموضوعات 1/ 376، ح 25 كلاهما مسنداً، كما سيأتي في التخريج.

(2) تفسير الطبري المسمي ب (جامع البيان في تفسير القرآن) 19/ 74، ط بيروت دار المعرفة، وأيضاً أخرجه في تاريخه المسمي بتاريخ الأُمم والملوك (تاريخ الطبري) 2/ 320- 322، بطرقٍ مختلفة. وله مصادر كثيرة جداً، كما سيأتي في التخريج.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 35

[الحديث الخامس ] … ص: 35

وأخرج محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في مناقبه «1»، من حديث ذكره متصلًا برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، وفيه في وصف علي عليه السلام «ووعاء علمي ووصيي» «2».

__________________________________________________

(1)

قال الحاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1497: كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب؛ للشيخ الحافظ أبي عبداللَّه محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي.

قال: أبو شامة المقدسي: «وفي 29 رمضان- سنة 658- قُتِل بالجامع الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، وكان من أهل العلم بالفقه والحديث لكنه كان فيه كثرة كلام، وميل إلي مذهب الرافضة، جمع لهم كتباً توافق أغراضهم.

ويذكر لنا الحافظ شمس الدين الذهبي العوامل والأسباب المؤدية لقتله فيقول «لدبره وفضوله! فكأنّ ذكر مناقب الإمام أمير

المؤمنين عليه السلام وجمع فضائله وأحاديثه خطيئة تبرّر وتسوّغ قتل صاحبها مهما بلغ- عندهم- من السمو والرفعة والمجد والعلم والدين والأدب.

(2) كفاية الطالب: 168، الباب 37 رقم 1.

مجمع الزوائد: 9/ 111، كنز العمّال: 1/ 154. ويأتي الكلام مفصلًا عن هذا الحديث في تخريج أحاديث كتاب العقد الثمين تحت الحديث الخامس.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 36

[الحديث السادس ] … ص: 36

وأخرج أيضاً عن عليّ عليه السلام أنّه قال: أمرني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين «1».

[الحديث السابع ] … ص: 36

وأخرج أيضاً عن جابر أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قال لعلي بن أبي طالب: «سلام عليك يا أبا ريحانتي، أوصيك بريحانتيّ خيراً». قال: هذا حديث حسن عال من حديث جعفر بن محمد، تفرد به حماد بن عيسي، لم نكتبه إلّامن حديث محمد بن يونس السامي عالياً «2».

[الحديث الثامن ] … ص: 36

وأخرج الطبراني عن عمار عنه صلّي اللَّه عليه وآله،: «ألا أرضيك

__________________________________________________

(1) أنظر: كفاية الطالب: ص 168، باب 37، أُسد الغابة: 4/ 33، كنز العمّال: 6/ 88، وتاريخ بغداد: 13/ 186، مناقب أمير المؤمنين؛ لمحمد بن سليمان الكوفي: 2/ 338 ح 813، مجمع الزوائد 6/ 235، المعجم الكبير: 4/ 172، الكامل: 2/ 188.

(2) كفاية الطالب: 213، باب 55، ح 1. وهو في: حلية الأولياء: 3/ 201، ذخائر العقبي: ص 124، كنز العمّال: 6/ 220، صحيح الترمذي: 2/ 306، خصائص النسائي: ص 124، سنن أبي داود: 8/ 160.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 37

يا عليّ؟ أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبري ء ذمتي».

الحديث بطوله «1».

[الحديث التاسع ] … ص: 37

وأخرج البزار عن أنس مرفوعاً: «علي يقضي دِيني». وروي بكسر الدال «2».

[الحديث العاشر] … ص: 37

وأخرج ابن مردويه والديلمي، عن سلمان الفارسي مرفوعاً:

«علي بن أبي طالب ينجز عداتي ويقضي ديني» «3».

__________________________________________________

(1) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير: 12/ 420، رقم 13549، وعنه مجمع الزوائد: 9/ 121، وكنز العمّال 6/ 155، المعيار والموازنة، لأبي جعفر الإسكافي المعتزلي: ص 209.

(2) أخرجه في مسنده 2/ 106 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 113، والمناوي في فيض القدير 4/ 359، ح 5601، والمتقي الهندي في كنزالعمال 11/ 604، ح 32919.

قال: البزار في مسنده عن أنس. قال الهيثمي: فيه ضِرار بن صرد وهو ضعيف، وسيأتي الكلام عنه مفصلًا في تخريج الأحاديث تحت الحديث التاسع.

(3) أخرجه الخوارزمي في مناقبه: ص 7، ح 38، والديلمي في فردوس الأخبار؛ 3/ 88، والمتقي الهندي في كنز العمّال: 11/ 611، ح 32956.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 38

[الحديث الحادي عشر] … ص: 38

وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً: «علي أنت تبيّن للناس ما اختلفوا فيه من بعدي» «1».

[الحديث الثاني عشر] … ص: 38

وأخرج أبو نعيم في الحلية، والكنجي في المناقب من حديث طويل وفيه: «وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين» «2».

[الحديث الثالث عشر] … ص: 38

وأخرج العلامة إبراهيم بن محمد الصنعاني في كتابه إشراق الإصباح «3»، عن محمد بن علي الباقر عليه السلام عن آبائه عنه صلّي اللَّه

__________________________________________________

(1) فردوس الأخبار، للديلمي 2/ 78، وأخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه 3/ 122، وهو في كنز العمّال: 11/ 615، ح 32983، تاريخ مدينة دمشق: 42/ 387، الكشف الحثيث؛ سبط ابن العجمي: ص 138. والمناقب؛ للخوارزمي: ص 329، ح 346، سبل الهدي والرشاد؛ للصالحي الشامي: 11/ 295، وينابيع المودة: ص 86، ج 2، ص 159.

(2) أخرجه أبو نُعيم في حلية الأولياء 1/ 63، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 211، ب 54، كنز العمّال: 11/ 619، ح 33010، وح 33011، كشف الخفاء ومزيل الالباس؛ للعجلوني: 2/ 242، شرح نهج البلاغة؛ للمعتزلي: 9/ 169.

(3) إبراهيم بن محمد بن نزار الصنعاني، من أعلام القرن الثامن الهجري، صاحب كتاب (إشراق الإصباح في مناقب الخمسة الأشباح) هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم (عليهم الصلاة والسلام). أنظر: مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن ص 114.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 39

عليه وآله من حديث طويل، وفيه: «وهو- يعني عليّاً- وصيي ووليي» «1».

قال المحب الطبري بعد أن ذكر حديث الوصية إلي علي عليه السلام:

والوصية محمولة علي ما رواه أنس من قوله: «وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب». أو علي ما أخرجه ابن السراج من قوله صلّي اللَّه عليه وآله: «يا علي، أوصيك بالعرب خيراً» «2». أو علي ما رواه حسين بن علي عليه السلام عن أبيه عن جدّه قال: أوصي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله علياً أنْ يغسله.

فقال: يا رسول اللَّه أخشي أنْ لا أطيق. قال: «إنك ستعان عليه» «3». انتهي.

والحامل له علي هذا الحمل حديث عائشة السابق.

والواجب علينا الإيمان بأنّ عليّاً عليه السلام وصي رسول اللَّه

__________________________________________________

(1) يأتي البحثُ مفصلًا- تحت الحديث الثاني وما بعده- حول أحاديث الوصية والدراسة في متونها وأسانيدها، ولا ينكرها إلّامكابرٌ، فراجع.

(2) أنظر: مجمع الزوائد 10/ 52.

(3) كنز العمّال 7/ 249، رقم 18780.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 40

صلّي اللَّه عليه وآله ولا يلزمنا التعرض للتفاصيل الموصي بها، فقد ثبت أنّه أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وعيّن له علاماتهم، وأودعه جملًا من العلوم، وأمره بأمور خاصة كما سلف.

فجعل الموصي بها فرداً منها ليس من دأب المنصفين.

وأورد بعضهم- علي القائلين بأنّ علياً عليه السلام وصي رسول اللَّه- سؤالًا، فقال: إنْ كانت الوصاية إخباره بما لم يخبر به غيره من الملاحم ونحوها، فقد شاركه في ذلك حذيفة، فإنه خصّه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بمعرفة المنافقين، واختصّه بعلم الفتن، وإن حملت علي الوصاية بالعرب كما ذكر الطبري، فقد أوصي صلّي اللَّه عليه وآله المهاجرين بالأنصار، وأوصي أصحابه بأصحابه.

وأنت تعلم أنّا لم نقصر الوصية بالعرب، ولم نتعرّض للتفصيل؛ بل قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله إنّه وصيّه، فقلنا: إنّه وصيّه. فلا يرد علينا شي ء من ذلك.

تنبيه:

اعلم أنّ جماعة من المبغضين للشيعة عدّوا قولهم إنّ عليّاً عليه السلام وصي لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، من خرافاتهم، وهذا إفراط وتعنت يأباه الإنصاف، وكيف يكون الأمر كذلك، وقد قال بذلك جماعة من الصحابة، كما ثبت في الصحيحين أنّ جماعة ذكروا عند عائشة أنّ

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 41

عليّاً وصي، وكما في غيرهما، واشتهر الخلاف بينهم في المسألة وسارت به الركبان، ولعلّهم تلقنوا

قول عائشة في أوائل الطلب وكبر في صدورهم حتّي ظنّوه مكتوباً في اللوح المحفوظ، وسدّوا آذانهم عن سماع ما عداه وجعلوه كالدليل القاطع، وهكذا، فليكن الاعتساف والتنكب عن مسالك الإنصاف، وليس هذا بغريب بين أرباب المذاهب، فإنّ كلَّ طائفة- في الغالب- لا تقيم لصاحبتها وزناً، ولا تفتح لدليلها وإن كان في أعلي رتبة الصحة اذناً، إلا من عصم اللَّه وقليل ما هم.

وقد اكتفينا بإيراد هذا المقدار من الأدلة الدالة علي المراد، وإن كان المقام محتملًا للإكثار لكثرة الآثار والأخبار، فمَنْ رام الإستيفاء فليراجع الكتب المصنفة في مناقب علي عليه السلام.

حرره المجيب غفراللَّه له:

محمد بن علي الشوكاني

ختم اللَّه له ولوالديه بالحسني

في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان 1205

ولا حول ولا قوة إلّاباللَّه العلي العظيم.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 45

الحق المبين في تخريج أحاديث العقد الثمين … ص: 45

مقدمات البحث وهي أمور … ص: 45

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

هذا تخريج أحاديث كتاب (العقد الثمين) للحافظ الشّوكاني، وقد رأينا من الضّروري تقديم امور تساعد الباحثين في الوصول إلي النتيجة الصحيحة:

الأمر الأول … ص: 45

إعلم أنّ لأهل السنّة كتباً أشتهرتْ بينهم بالصّحاح الستّة، اهتمّوا بشأنها غاية الإهتمام وجعلوا رواياتها المدارك في مسائل الحلال والحرام وسائر الأحكام، وكتبوا عليها الشروح الكثيرة ودرّسوها ورووها بالأسانيد الغزيرة، وأثنوا عليها الثناء العظيم وعظّموها أكبر التعظيم، ونحن في هذا المقام نكتفي بكلام للشيخ أحمد وليّ اللَّه المحدّث الدهلوي المتوفي سنة 1176 في بيان طبقات كتب الحديث، قال:

«هي باعتبار الصحّة والشهرة علي أربع طبقات … فالطبقة الأولي منحصرة بالإستقراء في ثلاثة كتب: الموطأ وصحيح البخاري وصحيح

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 46

مسلم … أمّا الصحيحان، فقد اتفق المحدّثون علي أنّ جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنهما متواتران إلي مصنّفيهما، وأنه كلّ من يهوّن أمرهما فهو مبتدع متّبع غير سبيل المؤمنين …

الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين، ولكنّها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا علي أنفسهم، فتلقّاها من بعدهم بالقبول، واعتني بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقة، واشتهرت فيما بين الناس، وتعلّق بها القوم شرحاً لغريبها وفحصاً عن رجالها واستنباطاً لفقهها، وعلي تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود، وجامع الترمذي ومجتبي النسائي …

والطبقة الثالثة: مسانيد وجوامع ومصنفات، صُنِفتْ قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما، … ولم تشتهر في العلماء ذلك الاشتهار …

كمسند أبي علي، ومصنف عبدالرزاق، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة …

والطبقة الرابعة: كتب قصد مصنفوها- بعد قرون متطاولة- جمع ما لم يوجد في الطبقتين الأوليين، وكانت في المجاميع والمسانيد المختفية، فنوّهوا

بأمرها … وهذه الطبقة مادّة كتاب الموضوعات لابن الجوزي … » «1».

__________________________________________________

(1) حجة اللَّه البالغة 1/ 133- 135.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 47

الأمر الثاني … ص: 47

لايخفي أنّ لكلّ علمٍ علماء إليهم المرجع فيه وعليهم المعوَّل، ولأهل السنّة في الجرح والتعديل للرجال علماء، ولكنّهم مع الأسف- مجروحون علي لسان المتأخّرين عنهم والمحقّقين عندهم.

فهم في الوقت الذي يرجعون إلي أقوال يحيي بن سعيد القطّان في قبول الرجال وردّهم، يقولون بأنّه كان متعنّتاً في نقد الرجال، وهكذا وصفه الذهبي وأضاف: «فإذا رأيته قدوثَّق شيخاً، فاعتمد عليه، أمّا إذا ليَّن أحداً فتأنّ في أمره حتي تري قول غيره فيه، فقد ليّن مثل إسرائيل، وهمام وجماعة احتجّ بهم الشيخان … » «1».

وكذا قالوا في أبي حاتم الرازي، فقد ذكر الذهبي بترجمته: «إذا وثّق أبو حاتم رجلًا فتمسّك بقوله، فإنه لا يوثّق إلّارجلًا صحيح الحديث، وإذا ليّن رجلًا أو قال فيه: لا يحتج به، فتوقّف حتي تري ما قال غيره فيه، فإن وثّقه أحد فلا تبنِ علي تجريح أبي حاتم فإنه متعنّت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي أو نحو ذلك» «2».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 9/ 183.

(2) المصدر 13/ 260.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 48

ومن العجب، رجوعهم إلي أقوال أبي الفتح الأزدي، وقد قال الذهبي: «قلت: وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات، فإنه ضعّف جماعةً بلا دليل، بل قد يكون غيره قد وثّقهم» «1» وقال الحافظ ابن حجر: «قد قدّمت غير مرة: أنّ الأزدي لا يعتبر تجريحه، لضعفه هو» «2».

والأعجب من ذلك إكثارهم من النقل عن أبي إسحاق الجوزجاني واعتمادهم عليه في نقد الرّجال، وخاصّةً في الطعن في الرواة الشيعة وردّ أحاديثهم، وهم ينصّون علي كونه ناصبيّاً؛

قال الذهبي: «قال الدارقطني: كان من الحفّاظ الثقات المصنّفين، وفيه إنحراف عن عليّ» «3».

وقال ابن حجر: قال ابن حبّان في الثقات: كان حروري المذهب، ولم يكن بداعية، وكان صلباً في السُنّة، حافظاً للحديث، إلّاأنّه من صلابته ربّما كان يتعدّي طوره. وقال ابن عديّ: كان شديد الميل إلي مذهب أهل دمشق في الميل علي عليّ. وقال السلمي عن الدارقطني بعد

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 16/ 348.

(2) مقدمة فتح الباري: 430.

(3) تذكرة الحفّاظ 1/ 549.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 49

أن ذكر توثيقه: لكن فيه إنحراف عن عليّ، اجتمع علي بابه أصحاب الحديث، فأخرجت جاريةٌ له فرّوجةً لتذبحها فلم تجد مَنْ يذبحها، فقال: سبحان اللَّه! فرّوجة لا يوجد مَنْ يذبحها وعليٌّ يذبح في ضحوة نيّفاً وعشرين ألف مسلم.

قلت: وكتابه في الضعفاء يوضّح مقالته، ورأيت في نسخةٍ من كتاب ابن حبّان: حَرِيزي المذهب، وهو- بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبعد الياء زاي- نسبة إلي حريز بن عثمان المعروف بالنصب، وكلام ابن عديّ يؤيّد هذا، وقد صحّف ذلك أبو سعد ابن السمعاني في الأنساب، فذكر في ترجمة الجَريري- بفتح الجيم- أنّ إبراهيم بن يعقوب هذا كان علي مذهب محمّد بن جرير الطبري، ثمّ نقل كلام ابن حبّان المذكور. وكأنّه تصحّف عليه، والواقع أنّ ابن جرير يصلح أن يكونَ من تلامذة إبراهيم بن يعقوب لا بالعكس، وقد وجدت روايةَ ابن جرير عن الجوزجاني في عدّة مواضع من التفسير والتهذيب والتاريخ» «1».

الأمر الثالث … ص: 49

كثير من رجال الأحاديث المرويّة في كتب أهل السنة، وكثير من مشاهير مؤلّفيهم، موصوفون عندهم بالتشيع، فيقولون بترجمته:

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 1/ 159.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 50

«شيعي» أو «فيه تشيّع» أو «يتشيّع» ونحو ذلك، تجد ذلك في رجال الكتب المعروفة عندهم

بالصّحاح، وخاصةً في كتابي البخاري ومسلم.

فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفصل التّاسع من مقدمة كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) وهو أشهر شروحه:

«الفصل التاسع: في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب، مرتّباً لهم علي حروف المعجم، والجواب عن الاعتراضات موضعاً موضعاً» فذكر أسمائهم وبحث عنهم من الصفحة 381 حتي قال في ص 459: «فصل: في تمييز أسباب الطعن في المذكورين» فأورد أسماء جماعةٍ رموا بالتشيع ودافع عنهم، كإسماعيل بن أبان، وعبدالرزاق بن همام الصنعاني، وعدي بن ثابت الأنصاري، وأبي نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن فضيل بن غزوان …

فما معني التشيع؟

قال الحافظ ابن حجر: «والتشيع محبّة علي وتقديمه علي الصحابة، فمن قدّمه علي أبي بكر وعمر فهو غال في تشيّعه ويطلق عليه رافضي وإلّا فشيعي، فإنْ انضاف الي ذلك السبُّ أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإنْ اعتقد الرّجعة الي الدنيا فأشدّ في الغلو» «1».

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 460.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 51

والقائلون بتقديم أمير المؤمنين علي علي أبي بكر وعمر- فضلًا عن عثمان- في الصحابة والتابعين كثيرون.

فمن الصّحابة مَن ذكرهم الحافظ ابن عبدالبر القرطبي في «الاستيعاب» حيث قال:

«وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم: أنّ علي بن أبي طالب- رضي اللَّه عنه- أوّل من أسلم. وفضّله هؤلاء علي غيره» «1».

ومن التابعين وأتباعهم ذكر ابن قتيبة جماعةً في كتابه المعارف حيث قال: «الشيعة: الحارث الأعور، وصعصعة بن صوحان، والأصبغ ابن نُباتة، وعطيّة العوفي، وطاووس، والأعمش، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو صادق، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وإبراهيم النخعي، وحبّة بن جوين، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن

المعتمر، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وفطر بن خليفة، والحسن بن صالح بن حي، وشريك، وأبو إسرائيل الملائي، ومحمد بن فضيل، ووكيع، وحميد الرواسي، وزيد بن الحباب، والفضل بن دكين، والمسعود الأصغر، وعبيداللَّه بن موسي، وجرير بن عبدالحميد،

__________________________________________________

(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/ 1090.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 52

وعبداللَّه بن داود، وهشيم، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي، وجعفر الضبيعي، ويحيي بن سعيد القطّان، وابن لهيعة، وهشام بن عمّار، والمغيرة صاحب ابراهيم، ومعروف بن خربوذ، وعبدالرزاق، ومعمر، وعلي بن الجعد» «1».

ومن العلماء والمحدّثين في القرون اللّاحقة من الشيعة من لا يحصي عددهم إلّااللَّه …

وقد اضطرب القوم واختلف موقفهم تجاه هؤلاء الرواة من الصحابة والتابعين وتابعيهم … ولننقل عبارة الحافظ ابن حجر فإنه قال:

«فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث مَنْ هذا سبيله، إذا كان معروفاً بالتحرّز من الكذب، مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفاً بالديانة والعبادة. فقيل: يُقبل مطلقاً، وقيل: يُردّ مطلقاً، والثالث التفصيل بين أنْ يكون داعيةً لبدعته أو غير داعية، فيقبل غير الداعية ويردّ حديث الداعية. وهذا المذهب هو الأعدل، وصارت إليه طوائف من الأئمة، وادّعي ابن حبّان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوي ذلك نظر.

ثم اختلف القائلون بهذا التفصيل، فبعضهم أطلق ذلك، وبعضهم

__________________________________________________

(1) المعارف: 341.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 53

زاده تفصيلًا فقال: إنْ اشتملت رواية غير الداعية علي ما يشيد بدعته ويزيّنه ويحسّنه ظاهراً فلا تقبل، وإنْ لم تشتمل فتقبل، وطرد بعضهم هذاالتفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال: إنْ اشتملت روايته علي ما يردّ بدعته قبل وإلّا فلا. وعلي هذا إذا اشتملت رواية المبتدع سواءكان داعيةً أم لم يكن علي ما لا تعلّق له ببدعته أصلًا هل تردّ مطلقاً أو تقبل

مطلقاً؟

مال أبو الفتح القشيري إلي تفصيل آخر فيه فقال: إنْ وافقه غيره فلايلتفت إليه هو إخماداً لبدعته وإطفاءً لناره، وإنْ لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلّاعنده- مع ما وصفنا من صدقه وتحرّزه عن الكذب واشتهاره بالدين وعدم تعلّق ذلك الحديث ببدعته- فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنّة علي مصلحة إهانته وإطفاء بدعته واللَّه أعلم» «1».

أقول:

فالتشيع لا يضر بالوثاقة ولا يمنع من الإعتماد، وهذا ما نصَّ عليه الحافظ ابن حجر في غيرموضعٍ، ففي كلامه حول «خالد بن مخلّد القطواني الكوفي» قال:

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 382.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 54

«خ م ت س ق- خالد بن مخلَّد القطواني الكوفي أبو الهيثم، من كبار شيوخ البخاري، روي عنه وروي عن واحدٍ عنه، قال العجلي: ثقة وفيه تشيّع. وقال ابن سعد: كان متشيّعاً مفرطاً. وقال صالح جزرة: ثقة إلّا أنّه يتشيّع. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.

قلت: أمّا التشيّع فقد قدّمنا أنه- إذا كان ثبت الأخذ والأداء- لا يضرّه، سيّما ولم يكن داعية إلي رأيه» «1».

بل الرّفض غير مضر … قال الحافظ ابن حجر:

«خ ت ق- عبّاد بن يعقوب الرواجني الكوفي أبو سعيد، رافضي مشهور، إلّاأنه كان صدوقاً، وثّقه أبو حاتم، وقال الحاكم: كان ابن خزيمة إذا حدّث عنه يقول: حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في رأيه عبّاد بن يعقوب، وقال ابن حبان: كان رافضيّاً داعية، وقال صالح بن محمد، كان يشتم عثمان رضي اللَّه عنه.

قلت: روي عنه البخاري في كتاب التوحيد حديثاً واحداً مقروناً وهو حديث ابن مسعود: أيّ العمل أفضل؟. وله عند البخاري طريق أخري من رواية غيره» «2».

وقال الحافظ الذهبي في «أبان بن تغلب».

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري:

398.

(2) المصدر: 410.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 55

«أبان بن تغلب [م، عو] الكوفي شيعي جلد، لكنّه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي وقال: كان غالياً في التشيّع. وقال السعدي: زائغ مجاهر.

فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟

فكيف يكون عدلًا مَن هو صاحب بدعة؟

وجوابه: إن البدعة علي ضربين، فبدعة صغري كغلوّ التشيّع أو كالتشيّع بلا غلو ولا تحرّف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصّدق. فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيّنة … » «1».

لكنّ بعض المتعصّبين منهم يقدحون في الرجل إذا كان شيعيّاً ويكرهون الرواية عنه، ويعبّرون عنه بعباراتٍ شنيعة، بل حتي وإنْ كان من الصّحابة، مع أنّ المشهور بينهم- بل ادعي عليه الإجماع- عدالة الصحابة أجمعين، وإليك نموذجاً من ذلك:

قال الحافظ ابن حجر: «ع- عامر بن واثلة أبو الطفيل الليثي المكي، أثبت مسلم وغيره له الصحبة- وقال أبو علي ابن السكن: روي عنه

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 5.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 56

رؤيته لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم من وجوهٍ ثابتة، ولم يرو عنه من وجهٍ ثابت سماعه.

وروي البخاري في التاريخ الأوسط عنه أنه قال: أدركت ثمان سنين من حياة النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عدي: له صحبة، وكان الخوارج يرمونه بإتّصاله بعلي وقوله بفضله وفضل أهل بيته، وليس بحديثه بأس.

وقال ابن المديني: قلت لجرير: أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل؟ قال: نعم.

وقال: صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: مكي ثقة.

وكذا قال ابن سعد وزاد: كان متشيّعاً. قلت: أساء أبو محمد بن حزم فضعّف أحاديث أبي الطفيل وقال:

كان صاحب راية المختار الكذّاب.

وأبو الطفيل صحابي لا شكّ فيه، ولا يؤثّر فيه قول أحدٍ ولا سيّما بالعصبيّة والهوي. ولم أر له في صحيح البخاري سوي موضعٍ واحدٍ في العلم، رواه عن علي، وعنه معروف بن خربوذ. وروي له الباقون» «1».

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 410.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 57

الأمر الرابع … ص: 57

ولابأس بإيراد كلامٍ لأحد كبار الحفّاظ وهو الحاكم النيسابوري بشأن التابعين، وهذا نصّ عبارته:

«ذكر النوع الرابع عشر من علوم الحديث

(النوع الرابع عشر) من هذا العلم معرفة التابعين. وهذا نوع يشتمل علي علوم كثيرة فانهم علي طَبَقات في الترتيب؛ ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفترق بين الصحابة والتابعين ثم لم يفرق أيضاً بين التابعين وأتباع التابعين. قال اللَّه عزّوجلّ: «وَالسَّابِقُونَ اْلأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَاْلأَنْصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري تَحْتَهَا اْلأَنْهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ».

وقد ذكرهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، كما حدّثناه أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد، وأبو العباس محمد بن يعقوب الأموي بنيسابور، وأبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو، قالوا: حدّثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقّاشي، حدّثنا أزهر بن سعد، حدثنا ابن عون، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الّذين يلونهم. فلا أدري أذكر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلم بعد قرنه

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 58

قرنين أو ثلاثة؟

قال الحاكم:

هذا حديث مخرج في الصحيح لمسلم بن الحجاج وله علة عجيبة.

حدثناه محمد بن صالح بن هانئ حدّثنا محمّد بن نُعيم، حدّثنا عمرو بن علي، حدّثنا أزهر، حدثنا ابن عون، عن إبراهيم، عن عبيدة،

عن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خير الناس قرني. قال:

فحدّثتُ به يحيي بن سعيد. فقال: ليس في حديث ابن عون عن عبداللَّه.

فقلت له: بلي فيه. قال: لا. فقلت: إنّ أزهر حدّثنا عن ابن عون، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبداللَّه قال: رأيتُ أزهر جاء بكتابه ليس فيه عن عبداللَّه قال: عمرو بن علي: فاختلفت إلي أزهر قريباً من شهرين للنظر فيه. فنظر في كتابه ثم خرج فقال: لم أجده إلّاعن عبيدة عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم.

فخير الناس قرناً بعد الصحابة مَنْ شَافَه أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وحفظ عنهم الدين والسنن، وهم قد شهدوا الوحي والتنزيل» «1».

__________________________________________________

(1) معرفة علوم الحديث: 41.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 59

الأمر الخامس … ص: 59

لقد ألّف أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي- المتوفّي سنة 579- كتاباً في الأحاديث الضعيفة سمّاه ب (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) وكتاباً في الأحاديث الموضوعة سماه ب (كتاب الموضوعات) وكلاهما مطبوعان منتشران.

وقد أصبح هذان الكتابان ذريعةً بيد بعض المتعصّبين الّذين يحاولون ردّ مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام، مع أنّ كبار العلماء المحقّقين يصرّحون بأن أبا الفرج قد جازف كثيراً في إدراج الأحاديث في الكتابين المذكورين، نكتفي هنا بذكر بعض كلماتهم:

قال الذهبي: «ربّما يذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قويّة».

وقال الحافظ ابن حجر- في قصّةٍ أوردها-: «دلّت هذه القصّة علي أن ابن الجوزي حاطب ليلٍ لا ينتقد مايحدّث به» «1».

وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في

__________________________________________________

(1) لسان الميزان: 2/ 84.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 60

كتابه كثيراً ممّا لادليل علي وضعه … » «1».

فهذه طائفة من كلماتهم في ابن الجوزي وكتابه

(الموضوعات).

ولذا لم يعبأ الحفّاظ والمحقّقون بإدخاله حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» في الكتاب المذكور، فمنهم مَنْ نصَّ علي صحّته، ومنهم مَنْ ذهب إلي أنّه حسن يحتجُّ به، كالحافظ الصّلاح العلائي، فإنه قال في كلامٍ له نقله الحافظ السيوطي: «ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بعلّةٍ قادحة في حديث شريك، سوي دعوي الوضع دفعاً بالصدر» «2» وكالحافظ الزركشي- فيما نقله عنه المناوي-: «ينتهي إلي درجة الحسن المحتجّ به، ولا يكون ضعيفاً فضلًا عن كونه موضوعاً» «3» وكالحافظ ابن حجر، فإنه قال في فتيا له- نقلها الحافظ السيّوطي-: «هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال إنّه صحيح، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال إنه كذب. والصّواب خلاف قوليهما معاً، وأنّ الحديث من قسم الحسن لايرتقي إلي الصحة ولا ينحطّ إلي كذب» «4».

ولمّا أدرج كتابه (العلل المتناهيّة) الحديث الصحيح: «إنّي تارك

__________________________________________________

(1) تدريب الراوي: 1/ 235.

(2) اللآلئ المصنوعة 1/ 332.

(3) فيض القدير 3/ 47.

(4) اللآلئ المصنوعة 1/ 334.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 61

فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي … » اعترض الحفّاظ عليه بشدّة، قال الحافظ السخاوي: «وتعجّبت من إيراد ابن الجوزي له في (العلل المتناهية) بل أعجب من ذلك قوله: إنه حديث لا يصحّ. مع ماسيأتي من طرقه إلي بعضها في صحيح مسلم» «1».

وقال الحافظ السمهودي: «ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في (العلل المتناهية) فإيّاك أن تغترّ به، وكأنه لم يستحضره حينئذٍ» «2».

وقال المناوي: «قال الهيثمي: رجاله موثّقون، ورواه أبو يعلي بسندٍ لابأس به والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر. ووهم مَنْ زعم ضعفه كابن الجوزي» «3».

فظهر أنه لا يجوز الاغترار بإيراد ابن الجوزي حديثاً في (العلل) أو (الموضوعات)، وأنه لا يغترّ بذلك إلّامَنْ كان علي شاكلته.

نقول:

بعد

الإطّلاع علي هذه الأمور التي لها الإرتباط الوثيق بالموضوع، نوضّح صحّة الأحاديث المستدل بها في كتاب (العقد الثمين)، واحداً واحداً، وباللَّه نستعين:

__________________________________________________

(1) إستجلاب إرتقاء الغرف: 83.

(2) جواهر العقدين: 232.

(3) فيض القدير 3/ 14- 15.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 62

الحديثان الأوّل والثاني … ص: 62

روي الشوكاني عن أحمد في المناقب، وكذا روي غير واحدٍ عنه كالحافظ أبي العباس محبّ الدين الطّبري، وقد جاء في الكتاب المذكور ما نصّه:

«حدّثنا هيثم بن خلف، قال: حدّثنا محمد بن أبي عمر الدوري قال: حدثنا شاذان، قال: حدثنا جعفر بن زياد، عن مطر، عن أنس- يعني ابن مالك- قال: قلنا لسلمان: سلْ النبي صلّي اللَّه عليه وآله مَن وصيّه، فقال له سلمان: يا رسول اللَّه، مَنْ وصيّك؟ قال: يا سلمان مَنْ كان وصي موسي؟ قال: يوشع بن نون. قال: فإنّ وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه» «1».

أقول

هذا الحديث من زيادات (القطيعي)، وهو: «الشيخ العالم المحدّث، مسند الوقت، أبو بكر، أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي … وقال السُّلمي: سألت الدارقطني عنه: فقال: ثقةٌ زاهد قديم، سمعتُ أنّه مجابُ الدّعوة. وقال البرقاني: كان صالحاً وثبت عندي أنّه صدوق» «2».

و (هيثم بن خلف) هو:

__________________________________________________

(1) ذخائر العقبي: 70.

(2) سير أعلام النبلاء: 16/ 210، رقم 143.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 63

هيثم بن خلف بن محمد بن عبدالرحمان بن مجاهد، المتوفي 307، المتقِنُ الثّقة، أبو محمد الدوري البغدادي، وكان من أوعية العِلم، ومن أهل التحرّي والضّبط. هكذا ذكره الذهبي «1».

علماً أنّ الهيثم بن خلف هو من مشايخ أبي علي النيسابوري الذي ترجم له الذهبي قائلًا: أبو علي النَّيسابوري الحافظ الإمام العلامة الثّبت، أبو علي، الحسين بن علي بن يزيد

بن داود النّيسابوري. أحدّ النقاد. إلي أنْ قال: قال الحاكم: كان أبو علي باقعةً- أي داهيةً- في الحفظ، لا تُطاق مذاكرتُه، ولا يفي بمذاكرته أحد من حفّاظنا.

وقال: قال الحافظ أبو بكر بن أبي دارم، ما رأيتُ ابن عُقدة لا يتواضع لأحدٍ من الحفاظ كما يتواضع لأبي علي النيسابوري.

وقال: قال أبو عبدالرحمان السُّلمي: سألت الدّارقطني عن أبي علي النّيسابوري، فقال: إمامٌ مهذَّب.

وقال الخليلي: قال ابنُ المقري ء الأصبهاني، إنّي لأدعو له في أدبار الصّلوات، كنتُ أتّبعه في شيوخ مصر والشام. وقال: قال عبدالرحمان ابن مندة: سمعتُ أبي يقول: ما رأيتُ في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي النيسابوري «2».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 14/ 261، رقم 168.

(2) المصدر 16/ 51، رقم 38.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 64

و (الدوري) هو أبو بكر محمد بن حفص الدوري، سمع الأسود بن عامر شاذان، وأحمد بن إسحاق الحضرمي ومحمد بن مصعب القرقساني، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وحجاج بن محمد، والحكم بن موسي، وأبا عبيدة القاسم بن سلام. وروي عنه عبداللَّه بن إسحاق المدائني، وحاجب بن أوكين الفرغاني، ومحمد بن مخلد الدوري، وسماه حاجب بن أركين أحمد، ومات سنة 259 «1».

و (شاذان) هو الأسود بن عامر شاذان، أبو عبدالرحمان الشامي نزيل بغداد، ذكره المزي وابن حجر العسقلاني وأوردا توثيقات الأكابر له «2»، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقةٌ من التاسعة، مات في أوّل سنة 208، ووضع علامة الصحاح الستة «3».

و (جعفر بن زياد) لم يتكلّم فيه إلّامن جهة التشيّع، والتشيّع غير مضرّ كما نصَّ عليه الحافظ ابن حجر، وقد تقدَّم كلامه، ولذا قال بترجمة هذا الرّجل: «صدوقٌ يتشيّع» «4».

__________________________________________________

(1) الأنساب للحافظ السمعاني 2/ 565، رقم 4029.

(2) تهذيب الكمال 3/ 226

رقم 503، تهذيب التهذيب 1/ 297.

(3) تقريب التهذيب 1/ 76.

(4) المصدر 1/ 130.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 65

و (مطر) هو مطر بن أبي ميمون الإسكاف المحاربي، هكذا ترجمه الحافظ ابن عدي، وروي الحديث بإسناده عن عبيداللَّه بن موسي عن مطر عن أنس، ثم قال عن مطر: «هو إلي الضعف أقرب منه إلي الصّدق» «1».

فإنْ صحّ هذا الكلام، فغايته أن يكون الحديث ضعيفاً لا موضوعاً، لكنّ ابن الجوزي قد أدرجه في الموضوعات- وتبعه ابن تيمية وأضاف أنّه موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث «2» وهذا تعصّب بيّن.

قال ابن الجوزي بعد أنْ أورده: «ففيه: مطر بن ميمون. قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث. وفيه جعفر، وقد تكلّموا فيه» «3».

وكلامه مردود. أمّا «جعفر بن زياد» فقد عرفته. وأمّا «مطر» فكلام الأزدي فيه غير مسموع لضعفه هو كما تقدّم، وكذا كلام البخاري فإنه تعصّب كما سيتّضح.

وقد روي الحافظ ابن عساكر هذا الحديث بإسناده فقال: «قرأت علي أبي محمد بن حمزة عن أبي بكر الخطيب، أنا الحسن بن أبي بكر، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبداللَّه القطّان، حدثنا الحسن بن

__________________________________________________

(1) الكامل في الضعفاء 8/ 136.

(2) منهاج السنّة 5/ 23.

(3) الموضوعات 1/ 375.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 66

العبّاس الرازي، حدثنا القاسم بن خليفة أبو محمد، حدثنا أبو يحيي التيمي إسماعيل بن إبراهيم عن مطير أبي خالد، عن أنس بن مالك قال:

كنا إذا أردنا أن نسأل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أمرنا علي بن أبي طالب، أو سلمان الفارسي، أو ثابت بن معاذ الأنصاري؛ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه علي سؤاله، فلما نزلت: «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» «1»

وعلمنا أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله نُعيت

إليه نفسه، قلنا لسلمان: سَلْ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله من نسند إليه أمورنا، ويكون مفزعنا، ومن أحبّ الناس إليه؟ فلقيه، فسأله فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، فخشي سلمان أن يكون رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قد مقته ووجد عليه، فلما كان بعد لقيه، قال: «يا سلمان، يا أبا عبداللَّه، ألا أحدّثك عمّا كنت سألتني؟ فقال: يا رسول اللَّه، إنّي خشيت أن تكون قد مقتّني ووجدتَ عليّ، قال: كلّا يا سلمان، إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركتُ بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي علي بن أبي طالب».

قال الخطيب: مطير هذا مجهول.

أخبرنا أبو القاسم بن السَّمرقندي، نا أبو القاسم بن مسعدة، نا

__________________________________________________

(1) سورة النصر: الآية 1.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 67

حمزة بن يوسف، نا أبو أحمد بن عدي، نا ابن أبي سفيان، نا علي بن سهل، نا عبيداللَّه بن موسي، نا مطر الإسكاف، عن أنس قال:

قال النبي صلّي اللَّه عليه وآله علي أخي، وصاحبي، وابن عمي، وخيرُ من أترك بعدي، يقضي دَيني، ينجز موعدي.

قال: قلت له: أين لقيت أنساً؟ قال: بالخريبة.

أخبرنا أبو القاسم الشّحّامي وأبو المظفّر القشيري، قالا: أنا أبو سعد الأديب، أنا أبو سعيد الكرابيسي، أنا أبو لبيد السامي، نا سويد بن سعيد، نا عمرو بن ثابت، عن مطير، عن أنس قال:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: إنّ خليلي ووزيري وخيرُ من أخلف بعدي يقضي دَيني وينجز موعودي علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه.

أخبرنا أبو عبداللَّه محمّد بن الفضل وأبو محمّد هبة اللَّه بن سهل، وأبو القاسم زاهر بن طاهر قالوا: أنا أبو سعد الجنْزرودي، أنا عبداللَّه بن محمّد بن عبدالوهاب الرازي، نا يوسف بن عاصم الرازي،

نا سويد بن سعيد، نا عمرو بن ثابت، عن مطر، عن أنس قال:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: إنّ خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير مَنْ أترك بعدي وينجز موعدي ويقضي دَيني

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 68

علي بن أبي طالب «1».

فهذه عدّة من أسانيد الحديث، وقد عرفت أنّه من الأحاديث التي اتّفق المخالف والموافق علي روايتها في فضل أمير المؤمنين وكماله، ممّا لم ينقل مثله ولا الأقلُّ منه في حقّ غيره من الصحابة.

ولمّا تصحّف اسم الراوي من «مطر» إلي «مطير» قالوا: مجهول.

ولكنّه لمّا رواه عن «مطر» كما هو الصحيح، لم يتكلّم فيه ابن عساكر، ولايخفي عدم وجود «جعفر بن زياد» في السند.

وقد أخرجه الحافظ الطبراني بإسنادٍ آخر فقال: «حدّثنا محمد بن عبداللَّه الحضرمي، حدثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي، حدثنا يحيي بن يعلي، عن ناصح بن عبداللَّه، عن سماك بن حرب، عن أبي سعيد الخدري، عن سلمان قال:

قلت: يا رسول اللَّه، لكلّ نبيّ وصي، فمَنْ وصيّك؟ فسكت عنّي.

فلمّا كان بعد رآني فقال: يا سلمان! فأسرعت إليه قلت: لبيّك. قال: تعلم مَنْ وصيّ موسي؟ قلت: نعم، يوشع بن نون، قال: لِمَ؟ قلت: لأنه كان أعلمهم. قال: فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير مَنْ أترك بعدي، ينجز عدتي ويقضي ديني: علي بن ابي طالب» «2».

__________________________________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 42/ 56- 57.

(2) المعجم الكبير 6/ 221، رقم 6063.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 69

وهذا السند ليس فيه «جعفر» ولا «مطر»، وظاهر الحافظ الطبراني قبوله سنداً- كما اعترف ابن كثير وسيأتي كلامه- فاضطرّ إلي أن يذكر تأويلًا لمعناه، فقال بعده ما نصّه: «قوله: وصيي. يعني: أوصاه في أهله لا بالخلافة. وقوله: خير من أترك بعدي، يعني: من أهل بيته».

لكنّه تمحّل واضحٌ،

وتكلّف بيّن، بل المراد هو الخلافة من بعده، وهذا المعني هو محلّ الحاجة للصّحابة إذ طلبوا من سلمان أن يسأل عنه النبي صلّي اللَّه عليه وآله، وإلي ما ذكرنا أشار ابن كثير إذ قال: «وفي تأويل الطبراني يبدو صّحة الحديث- وإن كان غير صحيح- نظر واللَّه أعلم» «1».

إلا أنّ ابن كثير لم يذكر وجه الضّعف، حتّي رجعنا إلي الحافظ الهيثمي فوجدناه يقول: «وفي إسناده ناصح بن عبداللَّه، وهو متروك» «2».

لكنّه قول مردود:

أوّلًا: الرجل ممّن أخرج عنه الترمذي وابن ماجة «3».

وثانياً: هو من مشايخ جمعٍ من أئمّة القوم كأبي حنيفة وهو من أقرانه «4».

__________________________________________________

(1) جامع المسانيد والسنن 5/ 383، برقم 3633.

(2) مجمع الزوائد 9/ 113- 114.

(3) تهذيب الكمال 29/ 261.

(4) المصدر.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 70

وثالثاً: قد وثّقه أو مدحه غير واحدٍ من الأكابر:

«قال ابن حبان: كان شيخاً صالحاً غلب عليه الصّلاح، فكان يأتي بالشي ء علي التوهّم، فلمّا فحش ذلك منه استحقّ الترك.

وقال أحمد بن حازم بن أبي غرزة، سمعت عبيداللَّه بن موسي، وأبا نعيم يقولان جميعاً عن الحسن بن صالح قال: ناصح بن عبداللَّه المحلّمي نعم الرجل» «1».

ورابعاً: قال ابن عدي- بعد أن أورد أحاديث له- «وهو في جملة متشيّعي أهل الكوفة، وهو ممّن يُكتب حديثه» «2».

وخامساً: إنّ السّبب في تضعيف من ضعّفه هو نقله لأحاديث الفضائل والمناقب بكثرة، وإليه أشار أبو حاتم «3» وابن عدي، بل بهذا السبّب قيل: «وكان يذهب إلي الرّفض» «4»، وإليك عبارة الذهبي: «قلت:

كان من العابدين. ذكره الحسن بن صالح فقال: رجل صالح، نعم الرّجل»

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 29/ 261.

(2) الكامل وعنه المزي في تهذيب الكمال 29/ 261.

(3) الجرح والتعديل 8/، برقم 2303.

(4) الضعفاء الكبير للعقيلي 4/ 311.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص:

71

ثم روي ما يلي:

«إسماعيل بن أبان، حدثنا ناصح أبو عبداللَّه عن سماك عن جابر قالوا: يا رسول اللَّه، مَنْ يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: من عسي أن يحملها إلّامَنْ حملها في الدنيا. يعني علياً.

يحيي بن يعلي المحاربي، عن ناصح بن عبداللَّه، عن سماك بن حرب، عن أبي سعيد الخدري عن سلمان قال قلت: يا رسول اللَّه … هذا خبر منكر» «1».

فظهر، أنّ السبب الأصلي للقدح في الرجل نقل مثل هذه الروايات، فإنّ القوم لا يطيقون سماعها ولا يتحمّلون الرّاوي لها!.

وتلخّص:

إنّ القول بوضع هذا الحديث باطلٌ، والقائل به هو ابن الجوزي المعروف بالتسرّع كما تقدّم، ولذا تعقّبه الحافظ السيوطي «2».

وأمّا دعوي اتّفاق العلماء علي وضعه، فكسائر دعاوي ابن تيميّة الباطلة الصادرة عن التعصّب والعناد.

بل الحديث معتبرٌ، وله أسانيد عدّة في كتب الحفّاظ، والإستدلال به صحيح علي القواعد العلميّة المتّبعة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4/ 240.

(2) اللآلئ المصنوعة 1/ 358- 359.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 72

الحديث الثالث … ص: 72

أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي:

«حدثنا محمد بن حميد، نا علي بن مجاهد، نا محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللَّه، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة عن أبيه، قال قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: لكلّ نبي وصي ووارث وإنَّ عليّاً وصيي ووارثي» «1».

وعنه الحافظ ابن عساكر قال:

«أخبرنا أبو القاسم البغوي … » «2».

والحافظ ابن الجوزي، قال:

«أنبأنا علي بن عبيداللَّه الزاغوني قال: أنبأنا أحمد بن محمد السمسار قال: حدّثنا عيسي بن علي الوزير قال: حدّثنا البغوي، قال:

حدّثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدّثنا عليّ بن مجاهد قال: حدّثنا محمد بن إسحاق عن شريك بن عبداللَّه، عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بُريدة عن أبيه قال: قال النبي صلّي اللَّه عليه وآله:

«لكلّ نبيّ وصيّ،

__________________________________________________

(1) معجم الصحابة 4/ 363.

(2) تاريخ مدينة دمشق 42/ 30.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 73

وإنّ عليّاً وصيّ ووارثي» «1».

وأخرجه الحافظ ابن عساكر عن طريقٍ آخر، قال: «أخبرنا أبو علي الفراوي وأبو محمد السيّدي، وأبو القاسم الشحامي، قالوا: أنا أبو سعد الجنزرودي، أنا عبدالوهّاب بن محمّد بن عبدالوهّاب الرازي، نا يوسف بن عاصم الرازي، نا محمّد بن حميد، نا علي بن مجاهد، عن محمّد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللَّه النخعي، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله قال: إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً ووارثاً، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي».

وأخرجه الحافظ ابن عدي؛ إذ قال بترجمة شريك بن عبداللَّه النخعي: «قد روي عنه من الأجلّاء: محمّد بن إسحاق صاحب المغازي و … فأمّا حديث محمّد بن إسحاق، فحدّثنا محمّد بن منير، ثنا علي بن سهل، ثنا محمّد بن حميد، ثنا سلمة، حدّثني محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللَّه، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قال: لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي» «2».

أقول: وقد تُكلّم في هذا الحديث؛ لأنّ فيه: (محمد بن حُميد

__________________________________________________

(1) الموضوعات 1/ 376.

(2) الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 21.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 74

الرازي)، فمن هو هذا الرجل؟

قال المزّي: «روي عنه: أبو داود والترمذي وابن ماجة».

ثمّ ذكر في الرواة عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيي الذهلي، ويحيي بن معين، وعبداللَّه بن محمد بن عبدالعزيز البغوي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد بن جرير الطبري، وعبداللَّه بن أحمد بن حنبل …

ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ «1».

وقال الخطيب البغدادي: «قدم بغداد وحدّث بها عن …

روي عنه:

أحمد بن حنبل، وابنه عبداللَّه بن أحمد، والحسن بن علي بن شبيب المعمري، وأحمد بن علي الأبار، وعبداللَّه بن محمد البغوي، ومحمد ابن محمد الباغندي، وغيرهم … » ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ له «2».

وقال ابن عدي: «محمد بن حميد: أبو عبداللَّه الرازي، حدّثني محمّد بن ثابت، سمعت بكر بن مقبل يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ثلاثة ليس لهم عندنا محاباة، فذكر فيهم محمّد بن حميد.

سمعت محمد بن إبراهيم المنقري يقول: سمعت فضلك الصائغ يقول: قال أبو زرعة الرازي: سمعت أبا عبداللَّه محمد بن حميد وكان

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 25/ 99.

(2) تاريخ بغداد 2/ 259.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 75

عندي ثقة. ذكره في قصّة.

حدّثنا الجنيدي، ثنا البخاري، قال: محمد بن حميد الرازي، عن يعقوب القمّي وجرير، فيه نظر.

سمعت ابن حمّاد يقول: قال السعدي: محمد بن حميد الرازي كان ردي ء المذهب، غير ثقة.

ثنا القاسم بن زكريا، ثنا محمد بن حميد، حدّثنا علي بن مجاهد وحكام وهارون، عن عنبسة، عن أبي هاشم الواسطي، عن ميمون بن سياه، عن أنس، عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله في قوله: «سِدْرَةِ الْمُنْتَهي » «1»

، قال شجرة نبق.

حدّثنا أحمد بن محمد بن عبدالعزيز بن الجعد، ثنا محمد بن حميد، ثنا جرير، عن سليمان بن أرقم، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر:

أنّه سمع النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله يقرأ: «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ» «2»

، وسمعته يقول: «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» «3».

ثنا إسماعيل بن حمّاد أبو النضر، ثنا محمّد بن حميد، حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة بن سعيد، عن سالم الأفطس، عن

__________________________________________________

(1) سورة النجم: الآية 14.

(2) سورة الرعد: الآية 43.

(3) سورة العنكبوت: الآية 49.

سلسلة النقد والتحقيق،

ج 1، ص: 76

الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: إنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله قال: قوموا فصلّوا علي أخيكم النجاشي، فصفّوا خلفه كما يصفّون علي الجنازة، وكبّر عليه أربعاً.

قال الشيخ: وتكثرتْ أحاديث ابن حُميد التي أُنكرت عليه إن ذكرناها، علي أنّ أحمد بن حنبل قد أثني عليه خيراً، لصلابته في السنّة» «1».

وإنّما ذكرنا كلام ابن عدي بتمامه، لأُمور:

الأوّل: إنّه قد أورد حديث الوصيّة بترجمة شريك، ولم يورده بترجمة محمد بن حميد، مع أنّه قد أورد أحاديث أُخر.

والثاني: إنّه قد استشهد بحديث الوصيّة لرواية محمد بن إسحاق عن شريك، ولم يذكر حديثاً آخر- بخلاف غير ابن إسحاق من الرواة عن شريك، فذكر أكثر من حديث- وذلك ظاهر في أنّ لا رواية له عنه غيرها، فلو كان حديث الوصيّة موضوعاً لما استشهد به علي كون شريك من مشايخ ابن إسحاق.

والثالث: إنّ ابن عدي لم يقدح في محمّد بن حميد، بل إنّ كلمته في آخر كلامه بترجمته ظاهرةٌ في المدح، غير أنّ في أحاديثه ما أُنكر عليه.

__________________________________________________

(1) الكامل في الضعفاء 7/ 529- 530.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 77

وبعد …

فإنّ الرجل قد تضاربت آراء العلماء فيه؛ ففي تهذيب الكمال: «قال أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف الحافظ: قلت لمحمّد بن يحيي الذهلي: ما تقول في محمد بن حميد؟

قال: ألا تراني؟! هو ذا أُحدّث عنه.

قال: وكنت في مجلس أبي بكر الصاغاني محمد بن إسحاق، فقال:

حدّثنا محمد بن حميد.

فقلت: تحدّث عن ابن حميد؟!

فقال: وما لي لا أُحدّث عنه، وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل، ويحيي بن معين؟!».

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال البخاري: حديثه فيه نظر.

قال الجوزجاني: ردي ء المذهب، غير ثقة.

ولدي التحقيق يظهر: إنّ الموثّقين له أكثر وأكبر ممّن تكلّم

فيه، لا سيّما وأنّ المنقول عن البخاري: «حديثه فيه نظر»، فليس النظر فيه نفسه، كما أنّ مفاد كلام الجوزجاني هو الطعن في مذهبه، لكنّ المنقول عن أحمد أنّه قد أثني عليه خيراً «لصلابته في السُنّة»؛ فكيف الجمع بين هذا وكونه ردي ء المذهب؟!

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 78

بل لقد وقع التضارب بين رأي أحمد، ورأي البخاري في حديثه؛ ففي الكامل عن البخاري: «محمد بن حميد الرازي، عن يعقوب القمّي وجرير، فيه نظر»، لكن في تاريخ بغداد عن أحمد: «أمّا حديثه عن ابن المبارك وجرير، فهو صحيح».

وفي الكامل: «علي أنّ أحمد بن حنبل قد أثني عليه خيراً لصلابته في السُنّة»، لكن في الميزان: «قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو أخذت الإسناد عن ابن حميد؛ فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه؟ قال: إنّه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه ما أثني عليه أصلًا».

بل لقد نسبت الآراء المتضاربة إلي الواحد منهم؛ ففي الكامل: «عن فضلك الصائغ، عن أبي زرعة، أنّه وثّق محمد بن حميد»، لكن في الميزان: «كذّبه أبو زرعة»!!

وتلّخص:

1- إنّ محمد بن حميد الرازي من رجال ثلاثة من الصحاح الستّة …

2- إنّه من مشايخ عدّةٍ كبيرةٍ من الأئمة الأعلام الّذين لا تجوز نسبة الرواية عن الكذّابين إليهم، وإلّا لتوّجه الطعن عليهم.

3- إنه قد وثقه غير واحدٍ من الأئمة المرجوع إليهم عندهم في

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 79

الجرح والتعديل.

4- إنّ كلمات القوم في الأكثر ترجع إنكار بعض أحاديث الرجل.

5- نعم، قد طعن فيه الجوزجاني، لكنّه من مشاهير النّواصب «1»، وطعن فيه أيضاً ابن خراش، الّذي كذّب حديث «انّا معاشر الأنبياء … »

وخرَّج مثالب أبي بكر وعمر «2».

6- إنّ الرجل بري ء من تلك الأحاديث التي أنكروها

عليه؛ ولذا قال المزّي في تهذيب الكمال: «قال أبو بكر بن أبي خيثمة: سئل يحيي بن معين عن محمّد بن حميد الرازي؟

فقال: ثقة ليس به بأس، رازي كيّس.

وقال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي، سمعت يحيي بن معين يقول: ابن حميد ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله، إنّما هو من قبل الشيوخ الّذين يحدّث عنهم».

وحديث الوصيّة ليس منها؛ لأنّه قد ذكر- في الكامل وتبعه في الميزان- بترجمة «شريك القاضي» وهو من شيوخه الثقات، وهنا تحيّر الذهبي، فكذّب بالحديث زوراً وبهتاناً: «ولا يحتمله شريك».

__________________________________________________

(1)

تذكرة الحفّاظ 2/ 459، تهذيب التهذيب 1/ 159.

(2) سير أعلام النبلاء 13/ 509.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 80

قلت:

ولماذا لا يحتمله شريك، وقد رويتم عنه بالأسانيد أنّه روي عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلّي اللَّه عليه وآله، قال: «عليّ خير البشر، فمن أبي فقد كفر»؟!

قال ابن عدي: «وقول شريك رواه رجل من أهل الكوفة يقال له:

الحرّ بن سعيد، وقد رواه عن الحرّ غير واحدٍ. وروي عنه أحمد بن يحيي الصوفي وقال: ثنا الحرّ بن سعيد النخعي- وكان من خيار الناس-» «1».

فظهر: أنّه ليس الراوي عنه بعض الكذّابين، كما زعم الذهبي ذلك زوراً وبهتاناً «2».

هذا، وقد عرفت أنّ لهذا الحديث طرقاً عديدة، ومنها طريق الحاكم- وليس فيه محمد بن حميد- وقد أخرجه ابن الجوزي؛ إذ قال:

«أنبأنا زاهربن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبداللَّه النيسابوري، قال: أنبأنا محمود بن محمد أبو محمد المطوعي، قال: حدّثنا أبو حفص محمد بن أحمد بن رازبه، قال: حدّثنا أبو عبدالرحمن أحمد بن عبداللَّه الفرياني، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن شريك بن

عبداللَّه، عن أبي ربيعة الإيادي،

__________________________________________________

(1) الكامل في ضعفاء الرجال 5/ 14- 15.

(2) ميزان الاعتدال 2/ 271- 272.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 81

عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: «إنّ لكلّ نبي وصيّاً ووارثاً، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب».

قال ابن الجوزي: «الفرياني؛ قال ابن حبّان: كان يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم..

وفيه: سلمة؛ قال ابن المديني: رمينا حديث سلمة بن الفضل» «1».

أمّا صاحب تنزيه الشريعة فلم يقل إلّا: «حديث: لكلّ نبيّ وصيّ وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي (حا) من طريق أحمد بن عبداللَّه الفرياني» «2».

الحديث الرابع … ص: 81

اشارة

هذا حديث الدار في يوم الإنذار، حين أنزل اللَّه عزّوجلّ «وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ»، فدعاهم إلي دار عمّه، وهم يومئذ أربعون رجلًا، يزيدون رجلًا أو ينقصونه، وفيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعبّاس وأبو لهب، والحديث في ذلك من صحاح السُنن المأثورة، وفي آخره قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله:

يا بني عبدالمطلب؛ إنّي- واللَّه- ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، جئتكم بخيرالدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أنْ

__________________________________________________

(1) كتاب الموضوعات 1/ 376.

(2) تنزيه الشريعة المرفوعة 1/ 356. و «الغرياناني» غلط مطبعي.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 82

أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني علي أمري هذا؟!!

فقال عليّ وكان أحدثهم سناً: أنا يا نبيّ اللَّه أكون وزيرك عليه.

فأخذ رسول اللَّه برقبة علي، وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب:

قد أمرك أن تسمع لأبنك وتطيع. انتهي.

أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية، كابن إسحاق، وابن جرير، وابن حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في سننه وفي دلائله، والثعلبي والطبري في تفسير سورة الشعراء من تفسيرهما الكبيرين.

وأخرجه

الطبري أيضاً في الجزء الثاني من كتابه «تاريخ الأُمم والملوك» «1».

وأرسله ابن الأثير إرسال المسلّمات في الجزء الثاني من كامله «2»، عند ذكره أمراللَّه نبيّه بإظهار دعوته.

وأبو الفداء في الجزء الأوّل من تاريخه «3»، عند أوّل مَنْ أسلم من الناس.

__________________________________________________

(1) تاريخ الأُمم والملوك (تاريخ الطبري): 320- 322، بطرق مختلفة.

(2) الكامل في التاريخ 2/ 60.

(3) المختصر في أحوال البشر 1/ 116.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 83

ونقله الإمام أبو جعفر الإسكافي المعتزلي في كتابه: نقض العثمانية، مصرّحاً بصحّته «1».

وأورده الحلبي في باب استخفائه صلّي اللَّه عليه وآله وأصحابه في دار الأرقم «2»، من سيرته المعروفة.

وأخرجه بهذا المعني مع تقارب الألفاظ غير واحد من أثبات السُنّة وجهابذة الحديث، كالطحاوي، والضياء المقدسي في المختارة، وسعيد بن منصور في السُنن.

وحسبك ما أخرجه أحمد بن حنبل من حديث عليّ في ص 178 وفي ص 257 من الجزء الأوّل من مسنده، فراجع.

وأخرج في أوّل ص 544 من الجزء الأوّل من مسنده أيضاً حديثاً جليلًا عن ابن عباس يتضمّن هذا النصّ في عشر خصائص ممّا امتاز به عليّ علي مَنْ سواه.

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، 13/ 211، مكتبة السيد المرعشي قم، تحقيق أبي الفضل إبراهيم، كنز العمّال: 13/ 114، 36371، تفسير الطبري: 19/ 149، ط دار الفكر، تفسير ابن كثير: 3/ 364، ط، دار المعرفة، الدر المنثور: 5/ 97، ط، دار المعرفة. تاريخ مدينة دمشق: 42/ 49، ط دار الفكر، تاريخ الطبري: 2/ 63، ط، مؤسسة الأعلمي.

(2) أنظر: الصفحة الرابعة من ذلك الباب، أو ص 283 من الجزء الأوّل من السيرة الحلبية.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 84

وذلك الحديث أخرجه النسائي أيضاً عن ابن عبّاس في ص 52 من خصائصه العَلَوية، والحاكم

في ص 132 من الجزء الثالث من المستدرك، وأخرجه الذهبي في تلخيصه للمستدرك معترفاً بصحّته.

ودونك الجزء السادس من كتاب كنز العمّال، فإنّ فيه التفصيل «1».

وعليك بكتاب منتخب الكنز وهو مطبوع في هامش مسند الإمام أحمد، فراجع منه ما هو في هامش ص 41 إلي ص 43 من الجزء الخامس تجد التفصيل؛ وحسبنا هذا ونعم الدليل «2».

__________________________________________________

(1) راجع منه: الحديث 36371 في ص 114 تجده منقولًا عن ابن جرير. والحديث 36408 في ص 128 تجده منقولًا عن أحمد في مسنده، والضياء المقدسي في المختارة، والطحاوي، وابن جرير وصحّحه. والحديث 36419 في ص 131 تجده منقولًا عن ابن إسحاق، وابن جرير، وابن حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل … والحديث 36465 ص 149 تجده منقولًا عن ابن مردويه.. والحديث 36520 في ص 174 تجده منقولًا عن أحمد في مسنده، وابن جرير، والضياء في المختاره.

ومن تتّبع كنز العمّال وجد هذا الحديث في أماكن أُخر شتّي، وإذا راجعت ص 255 من المجلّد الثالث من شرح النهج للإمام المعتزلي الحديدي، أو أواخر شرح الخطبة القاصعة منه، تجد هذا الحديث بطوله.

(2) المراجعات: 110- 112.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 85

تصحيح هذا النصّ: … ص: 85

لولا اعتبار صحّته من طريق أهل السُنّة ما أوردناه هنا.

علي أنّ ابن جرير والإمام أبا جعفر الإسكافي، أرسلا صحّته إرسال المسلّمات «1».

وقد صحّحه غير واحد من أعلام المحقّقين.

وحسبك في تصحيحه ثبوته من طريق الثقات الأثبات، الّذين احتجّ بهم أصحاب الصحاح بكلّ ارتياح.

ودونك ص 178 من الجزء الأوّل من مسند أحمد، تجده يخرج هذا الحديث عن أسود بن عامر «2»، عن شريك «3»، عن

__________________________________________________

(1) راجع: الحديث 36408 من أحاديث الكنز في ص 128 من جزئه الثالث عشر تجد

هناك تصحيح ابن جرير لهذا الحديث وإذا راجعت من منتخب الكنز ما هو في أوائل هامش ص 43 من الجزء 5 من مسند أحمد تجد تصحيح ابن جرير لهذا الحديث أيضاً.

أمّا أبو جعفر الإسكافي فقد حكم بصحّته جزماً في كتابه نقض العثمانية، فراجع ماهو موجود في ص 244 من المجلّد 13 من شرح نهج البلاغة للحديدي، طبع مصر.

(2) احتجّ البخاري ومسلم في صحيحيهما، وقد سمع شعبة عندهما، وسمع عبدالعزيز بن أبي سلمة عند البخاري، وسمع عند مسلم زهير بن معاوية، وحمّاد بن سلمة، روي عنه في صحيح البخاري محمد بن حاتم بن بزيع، وروي عنه في صحيح مسلم هارون بن عبداللَّه، والناقد، وابن أبي شيبة، وزهير.

(3) احتجّ به مسلم في صحيحه.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 86

الأعمش «1»، عن المنهال «2»، عن عباد بن عبداللَّه الأسدي «3»، عن عليّ مرفوعاً.

وكلّ واحد من سلسلة هذا السند حجّة عند الخصم، وكلّهم من رجال الصحاح بلا كلام، وقد ذكرهم القيسراني في كتابه الجمع بين رجال الصحيحين؛ فلا مندوحة عن القول بصحّة الحديث.

أقول:

يقع الكلام في هذا المقام في جهات:

الجهة الأُولي: في متن الحديث ورواته … ص: 86

لقد روي الشيخ علي المتّقي الهندي هذا الحديث في كتابه الكبير (كنز العمّال) بعدّة ألفاظٍ، عن جمعٍ كثيرٍ من أئمّة الحديث، ونحن نورد هنا محلّ الحاجة، ومَنْ أراد النصوص الكاملة فليرجع إليه:

(36408)- « … عن عليّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية «وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ

__________________________________________________

(1) احتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما.

(2) احتجّ به البخاري.

(3) هو عباد بن عبداللَّه بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي، احتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، سمع أسماء وعائشة بنتي أبي بكر، وروي عنه في الصحيحين ابن أبي مليكة، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وهشام بن عروة.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1،

ص: 87

اْلأَقْرَبينَ» جمع النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: مَنْ يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليفتي في أهلي؟ وقال رجل: يا رسول اللَّه؟ أنت كنت بحراً، مَنْ يقوم بهذا؟! ثمّ قال الآخر. فعرض هذا علي أهل بيته واحداً واحداً.

فقال عليّ: أنا.

حم، وابن جرير وصحّحه، والطحاوي، والضياء» «1».

(364419)- « … عن عليٍّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه «وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ» … تكلّم النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله فقال: يا بني عبدالمطلّب! إنّي- واللَّه- ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني علي أمري هذا «2»؟

فقلت- وأنا أحدثهم سنّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً-: أنا يا نبيّ اللَّه أكون وزيرك عليه.

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 128- 129، و «حم»: رمز أحمد في المسند، و «الضياء»: هو المقدسي صاحب كتاب المختارة.

(2) وفي تفسير البغوي 4/ 278- الملتزم فيه بالصحّة- توجد هنا إضافة: «ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم».

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 88

فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ.

ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل» «1».

(36465)- « … عن عليّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية «وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ» دعا بني عبدالمطلّب … ثمّ قال لهم- ومدّ يده-: مَنْ يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي؟!

فمددت وقلت: أنا أبايعك، وأنا يومئذٍ أصغر القوم، عظيم البطن، فبايعني علي ذلك … (قال:) وذلك

الطعام أنا صنعته.

ابن مردويه» «2».

(36520)- « … عن عليٍّ إنّه قيل له: كيف ورثت ابن عمّك دون عمّك؟!

فقال: جمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بني عبدالمطّلب …

فقال: يا بني عبدالمطّلب! إنّي بعثت إليكم خاصّة وإلي الناس عامّةً، وقد

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 131- 133.

(2) المصدر 13/ 149.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 89

رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيّكم يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه- وكنت من أصغر القوم- فقال: اجلس. ثمّ قال ثلاث مرّات. كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي:

اجلس. حتّي كان في الثالثة ضرب بيده علي يدي. قال: فلذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي.

حم، وابن جرير، والضياء» «1».

أقول:

وهذا سند الرواية الأُولي- التي رواها المتّقي برقم (36408) عن أحمد، وابن جرير وصحّحه، والطحاوي، والضياء- في مسند أحمد:

«أسود بن عامر، ثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عباد بن عبداللَّه الأسدي، عن عليٍّ» «2».

وهذا سند الرواية الأخيرة- التي رواها برقم (36520) عن أحمد، وابن جرير، والضياء- في مسند أحمد: «عفّان، ثنا أبو عوانة، عن عثمان ابن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن عليٍ رضي اللَّه عنه، قال: جمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بني عبدالمطلّب … » «3».

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 174.

(2) مسند أحمد 1/ 178.

(3) المصدر 1/ 257.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 90

وقد أخرج الحافظ الهيثمي الرواية الأُولي، ثمّ قال: «رواه أحمد، ورجاله ثقات» «1».

وأخرج النسائي أيضاً الرواية الأخيرة- بسند أحمد بن حنبل نفسه- في خصائص سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام «2»، وأهل العلم يعلمون بأنّ هذا الكتاب جزء من سنن النسائي. ولا يخفي عليهم أيضاً صحّة السند المذكور.

وأخرجه الهيثمي: «عن عليٍّ، قال: لمّا نزلت

«وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ»، قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: يا عليّ! اصنع رجل شاةٍ بصاع من طعام واجمع لي بني هاشم … فأكلوا وشربوا، فبدرهم رسول اللَّه فقال: أيّكم يقضي عنّي ديني؟ قال: فسكت وسكت القوم. فأعاد رسول اللَّه المنطق. فقلت: أنا يا رسول اللَّه. فقال: أنت يا عليّ، أنت يا عليّ.

رواه البزّار- واللفظ له- وأحمد باختصار، والطبراني في الأوسط باختصارٍ أيضاً، ورجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة».

__________________________________________________

(1) خصائص أميرالمومنين عليّ 66 رقم 99.

(2) مجمع الزوائد 8/ 302.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 91

أقول:

فهذه نصوص الحديث، وهؤلاء رواته.

وأمّا من حيث السند، فقد رأيتَ كيف ينصّون علي صحّته.

وأمّا من حيث الدلالة، فكلُّ لفظٍ دليل علي إمامة عليٍّ عليه السلام بعد رسول اللَّه، وهو بمجموع ألفاظه من أقوي النصوص سنداً ودلالةً علي ذلك.

ويضاف إلي جهة السند: … ص: 91

1- الحديث من روايات تفسير الطبري، وابن أبي حاتم الرازي، والبغوي، وقد احتجَّ ابن تيميّة في منهاج السُنّة بهذه الكتب «1»، ووصف الطبري وابن أبي حاتم- وجماعةٍ من المفسّرين- بأنّهم: «لم يذكروا الموضوعات» «2»، وبأنّهم: «الّذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير» «3».

2- الحديث من روايات كتاب المختارة للضياء المقدسي، وهو

__________________________________________________

(1) أنظر: احتجاجه بتفسير البغوي في منهاج السُنّة 1/ 457.

(2) منهاج السُنّة 7/ 13.

(3) المصدر 7/ 178- 179.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 92

ممّن التزم بالصحّة، بل قال الحافظ ابن حجر- لإثبات صحّة أحد الأحاديث-: «قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني … (قال) وابن تيميّة يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصحّ وأقوي من أحاديث المستدرك» «1».

3- الحديث من جملة الفضائل العشر المختصّة بأمير المؤمنين عليه السلام، في الصحيح عن ابن عبّاس.

الجهة الثانية: في النظر في كلام ابن تيميّة: … ص: 92

والآن، فلننظر في كلام ابن تيميّة حول هذا الحديث، وهذا نصّه:

«هذا الحديث ليس في شي ء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل، لا في الصحاح ولا في المسانيد والسنُن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتجّ به، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي، بل وابن جرير وابن أبي حاتم، لم يكن مجرّد رواية واحدٍ من هؤلاء دليلًا علي صحّته …

(قال:) إنّ هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالمٍ يعرف الحديث إلّاوهو يعلم أنّه كذب موضوع، ولهذا لم يرْوه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات، لأنّ أدني مَنْ له معرفة

__________________________________________________

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7/ 217.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 93

بالحديث يعلم أنّ هذا كذب …

(قال:) وقد رواه

ابن جرير، والبغوي بإسنادٍ فيه عبدالغفّار بن القاسم بن فهد أبو مريم الكوفي، وهو مجمع علي تركه … ورواه ابن أبي حاتم، وفي إسناده عبداللَّه بن عبدالقدّوس، وهو ليس بثقة …

(قال:) إنّ بني عبدالمطلّب لم يبلغوا أربعين رجلًا حين نزلت هذه الآية …

(قال:) ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل، ولا عرف فيهم مَنْ كان يأكل جذعةٍ، ولا يشرب فرقاً …

(قال:) إنّ الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا … » «1».

أقول:

أوّلًا: إنّ هذا الحديث موجود في سنن النسائي «2»، ومسند أحمد، ومسند البزّار، وفي المعجم الأوسط للطبراني، والمختارة للضياء، وغيرها من كتب الحديث … كما عرفت.

ورواه ابن إسحاق صاحب المغازي …

وهو في كثير من التفاسير المعتمدة.

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 299- 307.

(2) السُنن الكبري 5/ 125/ 8451.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 94

وعرفت أنّ عدّةً من أسانيده صحيحة، بإعتراف الحافظ الهيثمي، الذي هو عندهم من نقّاد الحديث، وأنّ جمعاً من أكابرهم يقولون بصحّته … وأنّ البيهقي وأبا نعيم الأصبهاني يجعلان القضية من دلائل النبوّة.

فكلام ابن تيميّة يشتمل علي أكاذيب لا كذبة واحدة.

وثانياً: قد عرفت أنّ غير واحدٍ من أسانيده الصحيحة ليس فيه «عبدالغفّار» ابن القاسم» ولا «عبداللَّه بن عبدالقدّوس».

وثالثاً: إنّ «عبدالغفّار بن القاسم» ليس بمجمعٍ علي تركه، بل هو مختلف فيه.

قال الحافظ ابن حجر: «قال أبو حاتم: ليس بمتروكٍ، وكان من رؤساء الشيعة» «1».

ونقلوا عن شعبة بن الحجّاج أنّه كان يروي عنه، ويثني عليه، ويقول: لم أر أحفظ منه «2».

وعن ابن عقدة أنّه كان يثني عليه ويطريه؛ قال ابن عدي: وتجاوز الحدّ في مدحه حتّي قال: لو انتشر علم أبي مريم وخرّج حديثه لما احتاج الناس إلي شعبة.

__________________________________________________

(1) تعجيل المنفعة: 297.

(2) المصدر.

سلسلة

النقد والتحقيق، ج 1، ص: 95

قال ابن عدي: وإنّما مال إليه ابن عقدة هذا الميل لإفراطه في التشيّع «1».

قلت: وإنّما تكلّم مَنْ تكلّم في أبي مريم، لأنّه كان يحدّث ببلايا عثمان وعائشة «2».

ورابعاً: إنّ «عبداللَّه بن عبدالقدّوس» من رجال البخاري في التعاليق، ومن رجال الترمذي، وأخرج له أبو داوُد، وذكره ابن حبّان في الثقات.

وقال البخاري: هو في الأصل صدوق إلّاأنّه يروي عن أقوامٍ ضعاف، وقال يحيي بن المغيرة: أمرني جرير أنْ أكتب عنه حديثاً، وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه في فضائل أهل البيت «3».

وهذا هو الذنب الوحيد!! ولذا قال الحافظ في التقريب: «صدوق رُمِيَ بالرفض» «4».

وقد تقدّم أنّ الرفض غير مضرّ.

وخامساً: إنّ التشكيك في صحّة الحديث بأنّ بني عبدالمطلّب ما

__________________________________________________

(1) الكامل 7/ 18.

(2) تعجيل المنفعة: 297.

(3) تهذيب التهذيب 5/ 265.

(4) تقريب التهذيب 1/ 430.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 96

كانوا يبلغون الأربعين، وأنّهم ما كانوا بهذا القدر يأكلون، لا يُصغي إليه، ولا رواج له عند مَن يفهمون …

وكذلك المعارضة بما ورد في بعض كتبهم في شأن نزول الآية، فالحديث الذي نستند إليه متفق عليه، ولا يعارضه ما انفردوا به، كما لا يخفي علي أهل الدراية.

الحديث الخامس … ص: 96

نصّ الحديث كما ذكره الحافظ الكنجي الشافعي:

أخبرنا المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري، أخبرنا الشيخان ابن البطي والكاغذي، قال أبو الفتح: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، وقال أبو المظفر، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قالا:

أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا عبداللَّه بن جعفر بن درستويه، أخبرنا الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي الفسوي في مشيخته، حدّثنا أبو طاهر محمد بن قسيم «1» الحضرمي، حدّثنا حسن بن حسين العرني، حدّثني يحيي بن عيسي الرملي، عن الأعمش،

عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله لأمّ سلمة: «هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه

__________________________________________________

(1) هذا خطأ مطبعي أو تصحيف من النسّاخ، والصحيح: تسنيم.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 97

من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي، إلا أنّه لا نبيّ بعدي يا أم سلمة هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين، «ووعاء علمي ووصيي» وبابي الذي أوتي منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في المقام الأعلي، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين».

أقول:

أمّا رجال السند حتي الفسوي صاحب المشيخة، فهم من كبار الحفّاظ والمشايخ الأعلام، ولا حاجة إلي التطويل بذكر تراجمهم.

و (الفسوي) هو:

يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي أبو يوسف بن أبي معاوية الفسوي الحافظ، صاحب التصانيف المشهورة، هكذا وصفه المزي.

وقال أيضاً: قال النسائي: لا بأس به.

وقال: وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال: كان ممّن جمع وصنّف وأكثر، مع الورع والنُسك والصلابة في السُنّة «1».

وقال ابن حجر في تقريبه: يعقوب بن سفيان الفارسي، أبو يوسف الفَسَوي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة 277.

وهو من رجال النسائي وابن ماجة «2».

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 32/ 324، رقم 7088.

(2) التقريب 2/ 104.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 98

وقال الذهبي: الإمام الحافظ، الحجّة، الرحال، محدِّث إقليم فارس، أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي … «1».

و (الحسن العرني) قد وثّقه الذهبي تبعاً للحاكم «2»، فلا كلام فيه.

وهو يرويه عن:

(يحيي بن عيسي التميمي) النهشلي، الفاخوري، الكوفي نزيل الرملة، صدوق ورمي بالتشيع مات سنة 201، وهو من رجال البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة. هذا ما قاله ابن حجر «3».

وقال المزي: يحيي بن عيسي بن عبدالرحمان التميمي

النهشلي أبو زكريا الكوفي الجرار الفاخوري سكن الرملة. قال أبو داود: بلغني عن أحمد بن حنبل أنّه أحسن الثناء عليه. وقال العجلي: ثقة، وكان فيه تشيع «4».

وهو يرويه عن (الأعمش) وهو من رجال الصحاح الستّة «5». وهو

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 13/ 180، رقم 106.

(2) المستدرك 3/ 211.

(3) تقريب التهذيب 2/ 355، رقم 145.

(4) تهذيب الكمال 31/ 488 رقم 6896.

(5) تقريب التهذيب 1/ 331.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 99

يرويه عن (حبيب بن أبي ثابت) هو قيس، ويقال هند بن دينار الأسدي، مولاهم، أبو يحيي الكوفي. ثقة فقيه جليل «1».

فالحديث صحيح بلا كلام.

الحديث السادس … ص: 99

قال الحافظ الكنجي:

أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبداللَّه، عن المبارك بن الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو القاسم بن أحمد، حدّثنا حسين بن إسحاق التستري، حدّثنا محمد بن صباح الجرجاني، حدّثنا محمد بن كثير، حدّثنا حارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن مخنف بن سليم، قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلًا له، قال: فقلنا عنده فقلتُ له: يا أبا أيوب قاتلت المشركين مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله ثم جئتَ تقاتل المسلمين، قال: «إنَّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله أمرني بقتال ثلاثة الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلتُ الناكثين والقاسطين وأنا مقاتل إن شاء اللَّه المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات وما أدري أين هو».

نقول:

حديث وصية النبيّ (صلّي اللَّه عليه وآله) لعلي بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، عن أبي أيّوب الأنصاري، أخرجه الحاكم في

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 148، رقم 106.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 100

مستدركه بإسنادين، حيث قال:

حدّثنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي، حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري، حدّثنا محمد بن حميد، حدّثنا سلمة بن الفضل، حدثني أبو زيد الأحول، عن عقاب

بن ثعلبة، حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب، قال: أمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله عليَّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».

(قال): حدّثنا أبو بكر بن بالويه، حدّثنا محمد بن يونس القرشي، حدّثنا عبدالعزيز بن الخطاب، حدّثنا علي بن غراب بن أبي فاطمة، عن الأصبغ بن نباته، عن أبي أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه قال سمعت النبي صلّي اللَّه عليه وآله يقول لعليّ بن أبي طالب: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات، قال أبو أيوب: قلت: يا رسول اللَّه مع مَنْ نقاتل هؤلاء الأقوام؟

قال: مع علي بن أبي طالب» «1».

لكنّ الحديث من أصحّ الأحاديث المشهورة- وإنْ حاول مثل ابن تيميّة تكذيبه «2» - فقد رواه أئمة الحديث بأسانيدهم عن عدّةٍ من الصّحابة، كعليّ أمير المؤمنين، وعبداللَّه بن مسعود وأبي سعيد

__________________________________________________

(1) المستدرك 3/ 139- 140.

(2) منهاج السنة 6/ 112.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 101

الخدري، وعمّار بن ياسر …

ومن الأئمة والحفاظ الذين رووه عن هؤلاء الأصحاب وغيرهم:

محمد بن جرير الطبري، أبو بكر البزار، أبو يعلي الموصلي، ابن مردويه، أبو القاسم الطبراني، الحاكم النيسابوري، الخطيب البغدادي، إبن عساكر الدمشقي، إبن الأثير الجزري، جلال الدين السيوطي، ابن كثير الشافعي، المحب الطبري، أبو بكر الهيثمي، المتقي الهندي.

ونحن نذكر هنا بعض الأسانيد المعتبرة لهذا الحديث:

أخرج الحافظ أبو بكر الهيثمي في (باب ما كان بينهم يوم صفين):

«عن علي قال: عهد إليَّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي روايةٍ: أُمِرْتُ بقتال الناكثين. فذكره.

رواه البزّار والطبراني في الأوسط. وأحد إسنادي البزّار رجاله رجال الصحيح غير الرّبيع بن سعيد ووثّقه ابن حبان» «1».

قال: «وعن أبي سعيد عقيصا قال: سمعت عمّاراً- ونحن نريد صفّين- يقول:

أمرني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بقتال الناكثين

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد- كتاب الفتن، باب فيما كان بينهم يوم صفين رضي اللَّه عنهم- 7/ 238.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 102

والقاسطين والمارقين.

رواه الطبراني. وأبو سعيد متروك» «1».

قلت: ليس متروكاً، فقد أخرج الحاكم والذهبي بإسنادهما حديث:

«علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» فقالا: «هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون» «2».

قال: «وعن قيس بن أبي حازم قال قال علي: إنفروا إلي بقيّة الأحزاب، إنفروا بنا إلي ما قال اللَّه ورسوله، إنا نقول: صدق اللَّه ورسوله، ويقولون: كذب اللَّه ورسوله.

رواه البزّار بإسنادين، في أحدهما يونس بن أرقم، وهو ليّن. وفي الآخر السيّد بن عيسي قال: الأزدي: ليس بذاك. وبقيّة رجالهما ثقات» «3».

قلت: أمّا (يونس بن أرقم) فيكفي أنّا لم نجد له جرحاً، وإنّما ليّنه ابن خراش فقط، بل إنّ أبا حاتم الرازي- علي تعنّته في الرجال كما وصفه الذهبي بترجمته في سير أعلام النبلاء- لم يقدح فيه، بل وثّقه

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد- كتاب الفتن، باب كان بينهم يوم صفين رضي اللَّه عنهم- 7/ 238.

(2) المستدرك وتلخيصه 3/ 124.

(3) مجمع الزوائد 7/ 239.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 103

ابن حبّان، نعم قال: «كان يتشيّع» ولعلّه السبب في تليين ابن خراش، لكنْ قد نصّ ابن حجر علي عدم الإلتفات إليه «1».

فظهر صحّة السند الأول

وأمّا (السيد بن عيسي) فلم يتكلّم فيه إلّا «الأزدي» وقد نصّ الذهبي علي أنّه لا يلتفت إلي قول الأزدي «2» وقال ابن حجر: «لا يعتبر تجريحه لضعفه هو» «3». ثم إنّ ابن حجر ينصّ علي أن ابن حبان ذكر «السيد بن عيسي» في الثقات «4».

الحديث السابع … ص: 103

قال الحافظ الكنجي:

أخبرنا أبو طالب عبداللطيف

بن القبيطي والخطيب أبو تمام، قالا:

أخبرنا محمد بن عبدالباقي، أخبرنا أبو الفضل بن أحمد الأصبهاني، حدّثنا أحمد بن عبداللَّه، حدّثنا أبو بكر بن خلّاد وأبو بحر محمد بن الحسن، قالا: حدّثنا محمد بن يونس السامي، حدّثنا حماد بن عيسي

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 431.

(2) ميزان الاعتدال 1/ 61.

(3) مقدمة فتح الباري: 430.

(4) لسان الميزان: 3/ 131، رقم 4068.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 104

الجهني، حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله قال لعلي بن أبي طالب: سلامٌ عليك يا أبا ريحانتي، وأوصيك بريحانتيّ من الدنيا خيراً، فعن قليل ينهدُّ ركناك واللَّه خليفتي عليك.

قال: فلما قُبض النبي صلّي اللَّه عليه وآله قال علي: هذا أحد الركنين الذين قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، فلما ماتت فاطمة قال علي: هذا الركن الثاني الذي قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله».

نقول:

وأخرجه أبو نعيم «1» ولم يخدش في سنده، وأيضاً أخرجه ابن عساكر «2»، بسندٍ آخر ولم يعترض عليه وسكت، فسكوت هؤلاء الأعلام يكشف عن صحة وقوّة هذا الحديث سنداً ودلالةً.

نعم، قد تكلّم في (حمّاد بن عيسي) المتوفي 208. ولكن الحق والإنصاف أنّ حمّاد بن عيسي ثقة، لأنّه من رجال الصحاح، فقد أخرج عنه الترمذي وابن ماجة كما ذكر الحافظ ابن حجر «3» في تقريبه. هذا أوّلًا.

ثانياً: روي عنه رجال أكابر وبعضهم متعصبون، كإبراهيم

__________________________________________________

(1) حلية الأولياء 3/ 201.

(2) تاريخ مدينة دمشق 14/ 161.

(3) تقريب التهذيب 1/ 197 رقم 456.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 105

الجُوزجاني، وأحمد بن سعيد الدارمي، والحسن الحُلواني، وعباس الدوري، وعبد بن حميد، ومحمد بن موسي القّطان الواسطي، ومعلّي بن مهدي الموصلي، وغيرهم.

ثالثاً: يحيي بن مَعين قال عنه: شيخٌ صالح

«1».

الحديث الثامن … ص: 105

أخرج الحافظ الطبراني:

حدثّنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثّنا محمد بن يزيد- هو أبو هشام الرفاعي-، حدّثنا عبداللَّه بن محمد الطهوي، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: بينما أنا مع النبي صلّي اللَّه عليه وآله في ظل بالمدينة وهو يطلب علياً رضي اللَّه عنه إذا انتهينا إلي حائط فنظرنا فيه إلي علي وهو نائم في الأرض وقد اغبّر، فقال: «لا ألوم الناس يُكنونك أبا تراب» فلقد رأيتُ علياً تغيّر وجهه واشتد ذلك، فقال: «ألا أرضيك يا عليّ؟ قال: بلي يا رسول اللَّه، قال: أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبري ء ذمتي، فمَنْ أحبك في حياة مني فقد قضي نحبه، ومَنْ أحبكَ في حياةٍ منكَ بعدي ختم اللَّهُ له بالأمن والإيمان، ومَنْ أحبك بعدي ولم يرك ختم اللَّهُ له بالأمن والإيمان وأمنه يوم الفزع الأكبر،

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 7/ 282 رقم 1486.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 106

ومَنْ مات وهو يبغضك يا علي ماتَ ميتةً جاهلية يحاسبه اللَّهُ بما عمل في الإسلام».

أقول:

و (محمد بن عثمان بن أبي شيبة) قال الذهبي: «كان بصيراً بالحديث والرجال، له تواليف مفيدة، وثّقه صالح جزرة، وقال ابن عدي:

لم أر له حديثاً منكراً. توفي سنة 297» «1».

و (محمّد بن يزيد بن محمد الرِّفاعي) الكوفي المقري ء- أبو هشام- قاضي بغداد المتوفي سنة 248 من رجال مسلم، والترمذي، وابن ماجة القزويني.

وقال البرقاني: هو ثقةٌ، أمرني الدارقطني أنْ أُخرج حديثه في الصحيح.

وقال أحمد بن محمد مُحرز: سألتُ يحيي بن مَعين، عن أبي هشام، فقال: ما أري به بأساً.

وقال العجلي: لا بأس به، صاحبُ قرآن، قرأ علي سُليم، وولي قضاء المدائن «2».

وأمّا (ليث) و (مجاهد) فمن رجال الصّحاح الستّة.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3/ 642

رقم 7934.

(2) سير أعلام النبلاء 12/ 153، رقم 55.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 107

ثمّ إنّ مورد هذا الحديث هو قضيّة المؤاخاة، فإنّه لمّا آخي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله بين أصحابه، لم يؤاخ بين علي عليه السلام وأحد من الصحابة، فذهب أمير المؤمنين عاتباً علي رسول اللَّه، فجاءّ النبي وأخبره بأنه إنّما ادّخره لنفسه، وقال له هذا الكلام المشتمل علي عدّة مناقب.

وقد أخرجه الطبراني بإسنادٍ أخر له عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس- مع اختلافٍ في اللّفظ فقال:

لمّا آخي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم بين أصحابه، وبين المهاجرين والأنصار، فلم يؤاخِ بين علي بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم، خرجَ عليّ مغضباً، حتّي أتي جدولًا من الأرض، فتوسّد ذراعه، فتسفي عليه الريح، فطلبه النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم حتي وجده، فوكزه برجله، فقال له:

قم، فما صلحت أنْ تكون إلّاأبا تراب، أغضبتَ عليَّ حين آخيتُ بين المهاجرين والأنصار، ولم أُؤاخ بينكَ وبين أحدٍ منهم؟ أما ترضي أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه ليس بعدي نبي؟ ألا مَنْ أحبّك حفَّ بالأمن والإيمان، ومَنْ أبغضكَ أماته اللَّه ميتةً جاهليةً وحوسب بعمله في الإسلام «1».

__________________________________________________

(1) المعجم الكبير 11/ 62، رقم 11092.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 108

أقول:

و (محمود بن محمد المروزي) قال الحافظ الخطيب البغدادي:

«قدم بغداد وحدّث بها عن داود بن رشيد، والحسين بن علي بن الأسود، وعلي بن حجر وحامد بن آدم المروزيين، وسهل بن العباس الترمذي.

روي عنه: محمد بن مخلّد، وعبدالصمد بن علي الطستي، وأبو سهل بن زياد، وإسماعيل بن علي الخطبي، وأبو علي بن الصواف أحاديث مستقيمة».

ثمّ روي عن طريقه حديثاً، وأرّخ وفاته بسنة سبع وتسعين» «1».

عن (حامد بن آدم)، وقد أخرج عنه الحاكم

في المستدرك «2» وذكره ابن حبّان في الثقات «3» وقال ابن عدي: «لم أر في حديثه إذا روي عن ثقةٍ شيئاً منكراً، وإنّما يؤتي ذلك إذا حدَّث عن ضعيف» «4».

نعم، قد تكلّم فيه السعدي، لكن السعدي نفسه مجروح،

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 13/ 93.

(2) لسان الميزان 2/ 199.

(3) كتاب الثقات 8/ 218.

(4) الكامل في الضعفاء 3/ 409.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 109

فلا يعارَض بكلامه توثيق الحاكم وابن حبان وغيرهما.

عن (جرير)؛

عن (ليث)؛

عن (مجاهد).

وهؤلاء أئمّة أعلام، لا حاجة إلي توثيقهم.

الحديث التاسع … ص: 109

عن عبداللَّه بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي قال لما نزلت:

«وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ» قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله يا عليّ اصنع رجل شاة بصاع من طعام واجمع لي بني هاشم، وهم يومئذٍ أربعون رجلًا أو أربعون غير رجل، قال: فدعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله بالطعام الجذعة بأدامها، ثم تناول القدح فشربوا منه حتي رووا يعني من اللبن، فقال بعضهم: ما رأينا كالسحر يرون أنّه أبو لهب الذي قاله، فقال: يا علي اصنع رجل شاة بصاعٍ من طعام واعدد قعباً من لبن قال: فقلت، فأكلوا كما أكلوا في اليوم الأوّل وشربوا كما شربوا في المرة الأولي رأينا اليوم في السحر، فقال: يا علي اصنع رجل شاة بصاع من طعام واعدد قعباً من لبن، قال: ففعلتُ، فقال: يا علي اجمع لي بني هاشم فجمعتهم فأكلوا وشربوا، فبدرهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله فقال: أيّكم يقضي ديني؟

قال: فسكت وسكت القوم، فأعاد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله المنطق، فقلتُ: أنا يا رسول اللَّه، قال: أنت يا علي أنت يا علي».

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 110

أقول:

ولم يتوقفوا في سند الحديث، إلّاأنّ الهيثمي في مجمعه- في أحد طرق

هذا الحديث- رمي (ضرار بن صُرد) بالضعف، وهذا مردود:

فقد قال المزّي: «روي عنه البخاري في كتاب أفعال العباد»، ثمّ ذكر أسماء الرواة عنه من كبار الأئمّة: ك: أبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبداللَّه مطيّن، وأبي بكر زهير بن حرب، وحنبل بن إسحاق … وأمثالهم.

قال: «وقال أبو حاتم: صدوق، صاحب قرآن وفرائض، يُكتب حديثه ولا يُحتجّ به، روي حديثاً عن معتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن أنس، عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله، في فضيلةٍ لبعض الصحابة، ينكرها أهل المعرفة بالحديث» «1».

ولقد ذكر الذهبي بترجمة أبي حاتم الرازي أنّه إن وثّق أحداً فتمسّك بقوله «2»، وقد قال في الرجل: «صدوقٌ».

نعم، ذنبه هو روايته لمثل هذه الأحادث في فضل أمير المؤمنين عليه وآله الصّلاة والسلام؟!

وقد وجدنا بعض الإنصاف لدي الحافظ ابن حجر؛ لأنّه لم يورد

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13/ 304، 305.

(2) سير أعلام النبلاء 13/ 260.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 111

الرجل في لسان الميزان، لكونه من رجال البخاري في كتابه أفعال العباد، وقال في تقريب التهذيب: «ضرار- بكسر أوّله مخفّفاً- ابن صرد- بضمّ المهملة وفتح الراء- التيمي، أبو نعيم، الطّحان، الكوفي، صدوقٌ، له أوهام وخطأ، ورمي بالتشيّع، وكان عارفاً بالفرائض، من العاشرة. مات سنة 29 عخ» «1».

الحديث العاشر … ص: 111

أخبرني عبدوس بن عبداللَّه الهمداني بهمدان إجازةً، أخبرني الشريف أبو طالب المفضل بن محمد الجعفري، أخبرني الحافظ أبو بكر بن مردويه، حدثني جدّي، حدثني أحمد بن محمود بن خرذاد، أخبرني أبو الحسين القاضي، حدثني عبدالرحمان بن دبيس بن حميد، حدثني محمد بن إسماعيل بن رجا الزبيدي، عن مطر، عن أنس، عن سلمان قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

وآله: علي بن أبي طالب يُنجز عداتي ويقضي ديني.

نقول:

قال الذهبي بترجمة ابن مردويه: الحافظ المجودُ العلامة، محدّث أصبهان، أبو أحمد بن موسي بن فورك بن موسي بن جعفر، الأصبهاني.

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 1/ 374.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 112

قال أبو بكر بن أبي علي- وذكر أبا بكر بن مردويه- هو أكبر من أنْ ندلَّ عليه وعلي فضله وعلمه وسيره، وأشهرُ بالكثرة والثقة من أنْ يُوصف حديثه، أبقاه اللَّه … «1».

وأيضاً قال الذهبي: «وأجاز لي أبو نعيم الحداد: سمعتُ أبا بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن مردويه يقول: رأيتُ من أحوال جدّي من الديانة في الرواية ما قضيتُ منه العجب من تثبُّته وإتقانه، وأهدي له كبيرٌ حلاوةً، فقال: إنْ قبلتُها، فلا أذن لك بعدُ في دخُول داري وإنْ ترجع به، تزِد عليَّ كرامة» «2».

فيظهر لنا من هذه الحكاية شدّة ورع وتقوي ابن مردويه، وأنه كان محتاطاً في نقل الرواية إلي حدٍّ عجيب، فهو إذاً لا يروي إلّاعن مَنْ كان ثِقةً صالحاً صدوقاً؛ لشدّةِ تحفظه.

وأما في خصوص (أبي الحسين القاضي) فقد قال السمعاني في الأنساب: وأبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين بن التوزي القاضي، وكان مكثراً ثقةً «3».

وترجم له الخطيب البغدادي أيضاً فقال: «كتبت عنه، وكان صدوقاً

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 17/ 308، رقم 188.

(2) المصدر 17/ 309.

(3) الأنساب 4/ 324، رقم 2133.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 113

كثير الكتاب» «1».

وقال الحافظ ابن حجر «2» (محمد بن إسماعيل بن رجاء الزُبيدي) بضم الزاي، الكوفي، صدوق يتشيّع، من الثامنة.

فهذه إطلالةٌ سريعةٌ علي بعض رجالات سند الحديث.

الحديث الحادي عشر … ص: 113

أخرجَ الديلمي:

عن عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقاق من أصل كتابه، حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، حدّثنا أبو نعيم ضِرار بن صُرد،

حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعتُ أبي يذكر عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله قال لعلي: أنت تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي.

قلت:

قال الحاكم في مستدركه بعد هذا الحديث: هذا حديثٌ صحيح علي شرط الشيخين ولم يُخرجاه «3».

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 4/ 324.

(2) تقريب التهذيب: 2/ 145، رقم 46.

(3) المستدرك: ج 3، ص 122.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 114

وقال الذهبي بترجمة (ابن ديزيل): الإمام، الحافظ، الثقة العابد، أبو إسحاق، إبراهيم بن الحسين بن علي، الهمداني الكسائي، ويعرف بابن ديزيل، و كان يصومُ يوماً ويُفطر يوماً.

قال الحاكم: هو ثِقةٌ مأمون.

وقال ابنُ خِراش: صدوقُ اللّهجة.

وقال صالح بن أحمد في تاريخ همدان سمعتُ جعفر بن أحمد يقول: سألتُ أبا حاتم الرازي، عن ابن ديزيل، فقال: ما رأيتُ، ولا بلغني عنه إلّاصدقٌ وخيرٌ «1».

وقال ابن حجر: (مُعتَمر بن سُليمان التيمي) أبو محمد البصري، ثقة من كبار التاسعة، مات سنة 187 وقد جاوز الثمانين، وعدّه من رجال الصحاح الستة «2».

وقال الذهبي: مُعتمر بن سليمان بن طرخان، الإمام الحافظ القدوة، قال ابن مَعين: ثِقة، وقال أبو حاتم: ثقةٌ صدوق، وقال ابن سعد: كان ثقةً «3».

ولكن الذهبي في تلخيصه علي المستدرك لم يتوقف في هذا

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 13/ 184، رقم 107.

(2) تقريب التهذيب 2/ 263، رقم 1260.

(3) سير أعلام النبلاء 8/ 477، رقم 23.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 115

الحديث إلّامن جهة (ضِرار بن صرد)، قد بيّنا حاله سابقاً تحت الحديث التاسع، فراجع.

الحديث الثاني عشر … ص: 115

رواه الحافظ أبو نعيم، قال: «حدثنا محمد بن أحمد بن علي، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون، ثنا علي ابن عياش، عن الحارث بن حصيرة، عن

القاسم بن جندب، عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله: يا أنس! اسكب لي وضوءاً. ثمّ قال: فصلّي ركعتين، ثمّ قال: يا أنس! أوّل مَنْ يدخل عليكَ من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين.

قال أنس: قلت: اللّهمّ اجعله رجلًا من الأنصار. وكتمته.

إذ جاء علي فقال: مَنْ هذا يا أنس؟ فقلت: عليّ.

فقام مستبشراً فاعتنقه، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق عليّ بوجهه. قال عليّ: يا رسول اللَّه! لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل.

قال: وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

رواه جابر الجعفي، عن أبي الطفيل، عن أنس نحوه».

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 116

أقول:

قد روي الحديث، عن أبي نعيم كذلك جماعة، منهم: الحافظ ابن عساكر إذ أخرجه قائلًا: «أخبرنا أبو علي المقري ء، أنبأنا أبو نعيم الحافظ … » «1».

وأخرجه ابن عساكر بطريق آخر؛ إذ قال: «أخبرنا أبو الحسن الفرضي، أنا أبو القاسم بن أبي العلاء، أنا أبو بكر محمّد بن عمر بن سليمان بن المعدل العريني النصيبي- بها- وأبو بكر الحسين بن محمّد قالا: أنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد، نا أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة، نا إبراهيم بن محمّد، نا علي بن عائش، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس بن مالك … » «2».

وهذا الحديث يعدّ من أسمي مناقب سيّدنا أمير المؤمنين وفضائله الدالّة علي إمامته بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله. ولولا ذلك لما قال أنس: «اللّهم اجعله رجلًا من الأنصار» ولما كتم «3».

ومن هنا، فقد بذل المتعصّبون جهودهم في الطعن فيه،

__________________________________________________

(1) تاريخ مدينة دمشق 42/

386.

(2) المصدر 42/ 303.

(3) كتمان أنس ما يتعلَّق بأمير المؤمنين عليه السلام لا يختصّ بهذا المورد، فله نظائر للتفصيل فيها مجال آخر.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 117

واضطربت كلماتهم في الردّ عليه، وإليك بعض الكلام في ذلك.

لقد روي الحافظ أبو نعيم هذا الحديث بطريقين، أحدهما: عن القاسم بن جندب، عن أنس، والآخر عن جابر الجعفي، عن أبي الطفيل، عن أنس …

فقال ابن الجوزي- بعد أنْ رواه بالطريق الأوّل-: «هذا حديث لا يصحّ. قال يحيي بن معين: علي بن عابس ليس بشي ء. وقد روي هذا الحديث جابر الجعفي، عن أبي الطفيل، عن أنس. قال زائدة: كان جابر كذّاباً، وقال أبو حنيفة: ما لقيت أكذب منه» «1».

فأمّا الطريق الأوّل، فقد طعن فيه من أجل: (علي بن عابس)، ولم يقل إلّا: قال يحيي بن معين: «ليس بشي ء»؛ ممّا يدلّ علي أنّ لا إشكال في هذا الطريق إلا من ناحية «علي بن عابس».

وأمّا الطريق الثاني، فالكلام في: (جابر الجعفي).

أمّا الذهبي، فلم يذكر الحديث بترجمة (جابر) أصلًا.. وإنّما ذكره بالطريق الأوّل، لكن لا بترجمة (علي بن عابس)، بل بترجمة: (إبراهيم)، ثمّ اضطرب الأمر عليه؛ فعنون تارة: «إبراهيم بن محمد بن ميمون» وأُخري: «إبراهيم بن محمود بن ميمون»، فقال في الأوّل: «إبراهيم بن

__________________________________________________

(1) كتاب الموضوعات 1/ 377.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 118

محمد بن ميمون: من أجلاد الشيعة. روي عن علي بن عابس خبراً عجيباً. روي عنه أبو شيبة بن أبي بكر وغيره» «1».

ثمّ قال في الصفحة اللاحقة: «إبراهيم بن محمود بن ميمون:

لا أعرفه. روي حديثاً موضوعاً فاسمعه: فروي محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن عابس، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس: إنّ النبيّ صلّي اللَّه

عليه وآله قال لي: أوّل مَنْ يدخل عليكَ من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين.. الحديث بطوله».

فهل هو: «إبراهيم بن محمّد بن ميمون»، أو: «إبراهيم بن محمود ابن ميمون»؟!

قال في الأوّل: «من أجلاد الشيعة»، وفي الثاني: «لا أعرفه»!!

وهل الحديث: «عجيب» أو: «موضوع»!!

وعندما نرجع إلي لسان الميزان، نجد أنّ ابن حجر يقول:

«إبراهيم بن محمّد بن ميمون: من أجلاد الشيعة. روي عن عليّ بن عابس خبراً عجيباً. روي عنه أبو شيبة بن أبي بكر وغيره. انتهي.

والحديث: قال هذا الرجل: حدّثنا علي بن عابس، عن الحارث بن

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 63.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 119

حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس: إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله قال لي: … الحديث بطوله. رواه عنه أيضاً: محمد بن عثمان بن أبي شيبة.

وذكره الأزدي في الضعفاء، وقال: إنّه منكر الحديث. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال إنّه: كندي.

وأعاده المؤلّف في ترجمة إبراهيم بن محمود، وهو هو، فقال:

لا أعرفه. روي حديثاً موضوعاً، فذكر الحديث المذكور.

ونقلتُ من خطّ شيخنا أبي الفضل الحافظ: إنّ هذا الرجل ليس بثقة. وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة: سمعت عمّي عثمان بن أبي شيبة يقول: لولا رجلان من الشيعة ما صحّ لكم حديث. فقلت: مَنْ هما يا عمّ؟ قال: إبراهيم بن محمد بن ميمون، وعبّاد بن يعقوب، وذكره أبو جعفر الطوسي في رجال الشيعة» «1».

ووقع اختلاف واضطراب في اسم الراوي: هل هو «علي بن عابس»، كما ذكروا، أو: إنّه «علي بن عياش»، كما في حلية الأولياء، وقال مصحّحه: «الصحيح ما أثبتناه»، أو: «علي بن عبّاس»، أو: «علي بن عائش»، كما في روايتي ابن عساكر!!

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 1/ 107.

سلسلة النقد

والتحقيق، ج 1، ص: 120

أقول:

إنّي أظنّ أنّ هذا التصحيف مقصود وليس بصدفة:

فإن كان: «ابن عياش»، فهو من رجال البخاري والسنن الأربعة «1».

وإن كان: «ابن عابس»، فهو من رجال الترمذي، وقد اختلفت كلماتهم فيه. فعن جماعة، كالجوزجاني والأزدي: ضعيف. وعن يحيي بن معين في رواية: كأنّه ضعيف. وفي أُخري: ليس بشي ء. وعن ابن حبّان: فحش خطأُه فاستحقّ الترك. وعن الدارقطني: يعتبر به. وعن أبي زرعة والساجي: عنده مناكير.

وعن ابن عدي: لعلي بن عابس أحاديث حِسان، ويروي عن أبان بن تغلب وعن غيره أحاديث غرائب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه «2».

وقد أورد ابن عدي روايته الحديث عن عطية، عن أبي سعيد، قال:

لمّا نزلت: «وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ» «3»

دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله فاطمة فأعطاها فدكاً «4».

__________________________________________________

(1) تقريب التهذيب 2/ 42.

(2) الكامل 6/ 322، تهذيب الكمال 20/ 502، تهذيب التهذيب 7/ 301.

(3) سورة الإسراء: الآية 26.

(4) الكامل 6/ 324.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 121

فمن يروي مثل حديثنا- وهذا الحديث في فدك- فلابُدّ وأن يُترك عند الجوزجاني وأمثاله من النواصب!!

هذا تمام الكلام علي الطريق الأوّل.

وقد عرفت أنّ «إبراهيم بن محمّد بن ميمون» من الثقات عند ابن حبّان وغيره، ولم ينقل ابن حجر تضعيفاً له إلّاعن الأزدي، وهذا من عجائب ابن حجر؛ لأنّه تعقّب تضعيفات الأزدي غير مرّة قائلًا: «ليت الأزدي عرف ضعف نفسه» و «لا يعتبر تجريحه لضعفه هو» «1».

ولم يتكلّم فيه الذهبي إلّابقوله: «من أجلاد الشيعة»، وهذا ليس بطعنٍ؛ فقد قدّمنا غير مرّة عن الذهبي نفسه، وعن ابن حجر أنّ التشيّع غير مضرّ بالوثاقة.

وأمّا الطريق الثاني، فقد تكلّموا فيه ل (جابر بن يزيد الجعفي)، ويكفي أنْ نورد نصّ كلام الذهبي فيه في ميزان الإعتدال؛ إذ قال:

«جابر بن

يزيد- د ت ق- بن الحارث الجعفي الكوفي، أحد علماء الشيعة، له عن أبي الطفيل، والشعبي، وخلق. وعنه: شعبة، وأبو عوانة، وعدّة.

قال ابن مهدي، عن سفيان: كان جابر الجعفي ورعاً في الحديث، ما

__________________________________________________

(1) مقدمة فتح الباري: 430.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 122

رأيت أورع منه في الحديث.

وقال شعبة: صدوق؛ وقال يحيي بن أبي بكير، عن شعبة: كان جابر إذا قال أخبرنا وحدّثنا وسمعت، فهو من أوثق الناس.

وقال وكيع: ما شككتم في شي ء فلا تشكّوا أنّ جابراً الجعفي ثقة.

وقال ابن عبدالحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة، إنْ تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلّمنّ فيك … » «1».

فإذا كان جابر من رجال ثلاثة من الصحاح، ثمّ من مشايخ أئمّةٍ، كالثوري وشعبة، وأبي عوانة، وأنّهم قالوا هذه الكلمات في توثيقه … فإنّه يكفينا للإحتجاج قطعاً؛ إذْ ليس عندهم من المحدّثين من أجمعوا علي وثاقته إلّاالشاذ النادر، فهم لم يجمعوا حتي علي وثاقة البخاري صاحب الصحيح.

علي أنّ ما ذكروه جرحاً فيه فليس من أسباب الجرح والقدح؛ لأنّ كلمات الجارحين تتلخّص في أنّه: «كان من علماء الشيعة»، وأنّه كان:

«يحدّث بأخبار لا يُصبر عنها» في فضل أهل البيت، وأنّه: «كان يؤمن بالرجعة» … ولا شي ء من هذه الأُمور بقادح، لا سيّما بالنظر إلي ما تقدّم عن أئمّة القوم من التأكيد علي ورعه في الحديث، والنهي عن التشكيك

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 378- 384.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 123

في أنّه ثقة، حتّي أنّ مثل سفيان يقول لمثل شعبة:

«إنْ تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلّمن فيك»!

وبما ذكرناه كفاية، لمن طلب الرشاد والهداية.

وبه تتبيّن مواضع الزور والدجل والتدليس في كلمات المفترين.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين.

سلسلة النقد والتحقيق، ج 1، ص: 124

المحتويات … ص: 124

الكتاب القادم:

مقدّمة المجالس الفاخرة

في

مآتم العترة الطاهرة

تأليف

المجتهد الأكبر الحجّة

السيّد عبدالحسين شرف الدّين

تقديم وتعليق

آية اللَّه السيّد نور الدين الميلاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.